حوار مع خبير أميركي في «بيكر ـ هاميلتون»: تدخـل واشـنطن ضروري بين بغـداد وأربيل

تتعالى وتيرة الخلاف بين حكومة العراق المركزية وما بات يُسمى بـ«حكومة» اقليم كردستان، في ما ينظر إليه العديد من المحللين على أنه أكثر الملفات قدرة على تفجير الأوضاع في العراق. ويقول الخبير البارز بشؤون العراق دانيال ب. سوروير الذي عمل سابقاً كمدير تنفيذي للجنة بيكر - هاميلتون، إن الأزمة «الخطيرة» بين كردستان والحكومة المركزية «تحتاج إلى حلّ» بدرجة ما قبل أن تنسحب القوات الأميركية، مسجلا احتمال اندلاع اقتتال فعلي بين الأكراد والقوات العراقية إذا لم يتم الاقتراب من الحل. كما يشدد على انه سيكون «على الولايات المتحدة والامم المتحدة وآخرين أن يتدخلوا بقوة» للوصول إلى ذلك.
ويوضح سوروير أن الأكراد الذين «حصلوا على صفقة جيدة» ويتمتعون بـ«امتيازات ضخمة» في كردستان بالإضافة إلى «حصة كبيرة من السلطة في بغداد»، «حريصون على حمل الأميركيين على البقاء، لأن الأميركيين يساعدون في ابقاء الأوضاع على ما هي».
في الآتي نص مقابلة أجراها معه «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي:
كتب الكثير مؤخراً حول أزمة سياسية تتعمق بين كردستان وحكومة العراق المركزية حول مستقبل أماكن مثل كركوك والموصل ومحافظة ديالى. إلى أي مدى يتوجب برأيك القلق من هذه الأزمة؟
أنا أعتقد فعلاً أنها خطيرة. إنها تشكل واحداً من الصراعات التي يتوجب حلها، إلى حد ما على الأقل، قبل أن ينسحب الأميركيون. فهذا ليس فقط مهماً للأكراد والعرب ـ منذ خمس سنوات حتى الآن - لكن الأميركيين هم العنصر الموازن بين الاثنين. مع الانسحاب المتوقع للقوات المقاتلة الأميركية في (آب) 2010، يصبح الوصول إلى حل ما، ملحاً أكثر من أي وقت مضى.
ماذا يريد الأكراد فعلياً وماذا تريد بغداد؟
ما تريده بغداد واضح: بغداد تريد السلطة على إقليم كردي مستقل إلى حد ما. أما بخصوص الأهداف الكردية، فهناك غموض. معظم الأكراد يقولون في سرية غرفهم «لماذا علينا أن نكون جزءاً من العراق؟ لما لا نستطيع أن نكون مستقلين؟». لكن أوضاعهم الجغرافية - السياسية كانت وراء قرار القيادة الكردية البقاء ضمن العراق، على الأقل اسمياً، في الوقت الحالي. يصعب تحديد هدف الأكراد النهائي. وهناك غموض في ما إذا كان معظم الأكراد يريدون البقاء في العراق أم لا.
أصدرت «مجموعة الأزمات الدولية» مؤخراً تقريراً مهماً درست فيه خطوط الصدع بين الحكومة الفدرالية العراقية وحكومة كردستان الإقليمية. ويبدو أن المجموعة قلقة جداً بشأن أعمال عنف قد تندلع بين الطرفين عقب مغادرة الأميركيين.
هل من الصعب أن نتخيل إمكان حصول اقتتال هناك؟
ليس من الصعب أبداً تخيّل ذلك. لكن بصرف النظر عن اقتتال جديد، تكمن المسألة في حالة توازن القوى بين القوات الكردية والقوات العربية. وهذا التوازن يتحول بشكل كبير مع المساندة التي يقدمها الأميركيون للجيش العراقي. اعتقد ان الأكراد يعون جيداً ان اوضاعهم ونفوذهم لا يتحسنان، بل يتراجعان. وهم حريصون على حمل الأميركيين على البقاء، لأن الأميركيين يساعدون في ابقاء الأوضاع على ما هي. هذا ليس تماماً ما يريده الأكراد، ولكنه أفضل مما قد يحصلون عليه في الاحتمالات الأخرى. وبغض النظر عن مسألة الاستقلال أو عدمه، تطرح مسألة حجم كردستان. وفي ذلك مشكلة لأنه حتى لو بقيت كردستان جزءاً من العراق، يطالب الأكراد بأراض تقع خارج حدود الإقليم المعترف بها. وهذا ما تسمّيه «مجموعة الأزمات» «خط التفجير». يلعب الأميركيون دوراً مركزياً في توازن هذه القوى، والتـأكد من انها لن تدخل في مواجهات عدوانية.
عندما تنظر إلى ما يسمى بـ«خط التفجير»، ترى انه يمتد حتى محافظة ديالى ليصل شمالا إلى الحدود السورية.
كنت في ديالى مؤخرا، اعمل مع مجلس المحافظة هناك. من جهة هناك توافق بين العرب والأكراد في مجلس المحافظة. ولكن هناك فعلاً علامة استفهام كبيرة حول سلطة كردستان وليس على الأراضي فحسب.
ما اهمية النفط في كل هذا؟
أهميته تبرز بطرائق عديدة. من الواضح أنه إذا امتلكت كردستان ما يكفي من النفط لتستطيع البقاء او حتى الازدهار، فسيخلق ذلك تغيراً كبيراً. كما أنه إذا خلص الأكراد إلى أنه من الأفضل لهم أن يحصلوا على نسبة من النفط العراقي بدلاً من نفطهم وحده، قد يحدث ذلك تغييرا كبيرا أيضا. ويبدو ان حساباتهم خلصت إلى ذلك حاليا. بالاضافة إلى أوضاعهم الجغرافية - السياسية، التي لا تصب في مصلحة الاستقلال، يعتبر الأكراد ان نسبة من النفط العراقي أفضل من نفطهم وحده، لانهم غير أكيدين مما لديهم ولدى العراق الكثير من النفط.
بالنسبة للعراقيين، هل يشكل النفط في كردستان عنصراً مهماً أم أن وحدة البلاد السياسية تحظى بأهمية أكبر؟
اعتقد أن وحدة البلاد السياسية اهم بالنسبة لهم. لو كانت مسألة نفطية محضة، ما اظن انهم كانوا ليقلقوا إلى هذه الدرجة. هم يرون أن العراق الكردي جزء من العراق، ويتمسّكون بذلك بقوة. هناك عرب يعيشون في الشمال، بالطبع، لكن العراقيين العرب يشعرون أن الاكراد حصلوا على صفقة جيدة في الدستور وأنه من الأحرى بهم أن يكونوا سعيدين لبقائهم في العراق.
الآن في ظل الدستور الحالي، ما هي الامتيازات التي يتمتع بها الأكراد؟
امتيازات ضخمة. لديهم برلمانهم الخاص، وحكومتهم الخاصة، ويتحكمون بالجزء الأكبر من الجوانب التربوية والثقافية للحياة في كردستان. وما قد يكون اهم من ذلك، هو أن لديهم حصة كبيرة من السلطة ببغداد أيضاً. لقد حصلوا على صفقة جيدة جداً، لكن المشكلة في أن الدستور غامض حول أسئلة معينة. والنتيجة هي أن الامتداد الجغرافي لكردستان، على سبيل المثال، لم يتم تحديده في الدستور. كما أنه ليس دائماً من الواضح ما لدى حكومة اقليم كردستان من سلطة وما لدى حكومة بغداد، كما أن مسألة من يحسم الخلافات بين الطرفين تشكل نقطة تجاذب.
ليس هناك محكمة عليا لتحكم في ذلك؟
هناك محكمة عليا، ولكن ليس واضحاً ما إذا كانت تستطيع أن تتخذ قراراً لمصلحة حكومة بغداد، وتجعلها تلتزم في مسائل عدة.
يخطط المالكي لحملة مهمة في شهر كانون الثاني المقبل ليعود كرئيس للوزراء مجدداً بعد انتخابات كانون الثاني البرلمانية. في مقابلة أجراها مع الـ«وول ستريت جورنال» بدا أنه يتراجع ليبدو مصالحاً. هل هناك توتر كبير بينه وبين رئيس كردستان؟
نعم، هناك توتر كبير بين المالكي والرئيس الكردي مسعود برزاني. فقد أصبح المالكي الذي اختير أساساً، لأنه بدا ضعيفاً نسبياً، قوياً إلى حد ما. مع كل القوى السياسية التي دعمته يوماً ـ الأكراد والأحزاب السياسية الشيعية والسنية - لديه الآن مشكلة العودة إلى منصب رئاسة الوزراء مما يضطره إلى إصلاح بعض خلافاته مع هذه المجموعات.
وهذا يشمل الأكراد؟
قد يشمل الأكراد. وليس واضحاً على الإطلاق ما ستؤول إليه الانتخابات في كانون الثاني. ويتعين على أي سياسي يريد أن يصبح رئيساً للوزراء أن تكون له علاقات جيدة مع اكبر قدر من القوى السياسية. وهناك الكثير منها بسبب بعض التجزئة الموجود بين أحزاب العراق السياسية.
ماذا عن الموصل؟ هل هي المنطقة الأكثر خطورة؟
الآن هي المنطقة الأخطر، جزئياً بسبب عودة تنظيم قومي عربي محلي قوي إلى الأغلبية في مجلس المحافظة عقب انتخابات المجالس في شهر كانون الثاني الماضي. وهناك توتر بين الأكراد والعرب. الموصل مدينة مهمة جداً كما أن جغرافيا كردستان التي تلتفّ نوعاً ما حول الموصل تصعب الأمور أكثر. ليس واضحاً بعد كيف ستنتهي الامور هناك، لكنك اذا سألت الأميركيين في العراق عن أخطر مكان هناك، فسيقولون إنها محافظة نينوى حيث تقع الموصل، او كركوك حيث تتصاعد التوترات بين العرب والأكراد. كما تشمل هذه التوترات التركمان أيضاً.
حاولت لجنة من الأمم المتحدة حل التوترات في كركوك. هل قاموا بعمل كثير؟
لنقل ان الامم المتحدة قامت بكثير من العمل الجيد لمحاولة تحديد، مقاطعة بمقاطعة، الجذور التاريخية والثقافية لكل مقاطعة. هل من يتكلمون الكردية أكثر ممن يتكلمون العربية؟ وقد قاموا بجزء كبير من هذا العمل. ما لم يقوموا به هو أن يقولوا :«هذا هو الحل. هذا ما عليكم ان تفعلوه». والأمم المتحدة ليست في موقع يخولها القيام بذلك، فهي تحتاج إلى دعم أميركي كبير ليصبح لها تأثير في هذه القضية. وعلى الأرجح أن موعد التدخل الأميركي الثقيل لم يحن بعد.
بتعبير آخر، عندما غزت الولايات المتحدة العراق العام 2003، انتقل جميع الأكراد خارج ما يُسمّى بالخط الأخضر الذي شكل حدودهم.
نعم. تحاول الأمم المتحدة على قاعدة مجهرية ان تحدد من يستحق السلطة فعلاً. ولكنهم لا يُملون النتائج على حكومة بغداد او حكومة اقليم كردستان. هم يقدمون عناصر للقرار فحسب. سوف يكون عليهم عند نقطة ما، أن يذهبوا ابعد من ذلك وأن يجروا مفاوضات جدية جداً مع الأميركيين.
ولم ترع الولايات المتحدة أية محادثات رسمية حتى الآن؟
لا لم يرعوا أية محادثات. حاولوا ترك ذلك رهناً بقرار الامم المتحدة التي قامت بعمل جيد، ولكنها لا تستطيع القيام بأكثر مما ذهبت اليه.
لاحظت ان المالكي قال إنه تكلم مع نائب الرئيس جوزف بايدن في هذا الشأن عندما زار الأخير بغداد بعد اول انسحاب للقوات من المدن. وقال إن بايدن اتفق معه على ضرورة التفاوض.
تحدث بايدن هاتفياً مع القادة الأكراد. إذن أعتقد أن هذه بداية، هل هذا صحيح؟
هي فعلاً بداية. يبدو أن ما يقوله بايدن حتى الآن، وانا لست مطلعاً على الاتصالات الخاصة، هو أساساً أنه عليهم ان يحلوا مشاكلهم بينهم. في النهاية يرجح أن تكون هناك حاجة لتدخل أميركي اكبر من ذلك. لكن الدرجة التي يقدرون أن يصلوا اليها في الحل بينهم، تبقى التسوية الأفضل.
في تقرير «مجموعة الأزمات الدولية»، تحث المجموعة الحكومة الأميركية على ممارسة «ضغوط كبيرة على الأحزاب العراقية وأن تستخدم الموارد السياسية والدبلوماسية والعسكرية والمالية لضمان انسحاب مسؤول من العراق يترك وراءه دولة مستدامة عبر تعايش دائم وسلمي بين العرب والأكراد».
هذا كله عظيم في المبدأ، ولكن هل هو ممكن؟
هو عظيم في المبدأ. والدرجة التي يستطيعون الوصول إليها بينهم في حل مسألة الأراضي المتنازع عليها ستشكل خطوة جيدة، كما أتوقع أنه في النهاية سيكون على الولايات المتحدة والامم المتحدة وآخرين أن يتدخلوا بقوة للوصول إلى ذلك. وتبقى بعض القضايا الصعبة الأخيرة كمركز كركوك، ويرى الكثيرون مجالات للتسوية في هذه القضية مما قد يعطيها موقعاً خاصاً.
(عن «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي)