الطريق الى محافظة بعلبك الهرمل؟

منذ قديم الزمان حكم الرومان سهل البقاع، وجعلوا من مدينة بعلبك عاصمة الاقليم الكبير، ومركزا عباديا قلّ نظيره في الشرق، واستحضروا الآلهة والملوك والخدم، وازدهرت فيها التجارة، فكان لا بد من شبكة طرق حديثة تلبي حاجات المقاطعة الغنية. وقد تمتع الرومان بمهارة فائقة في بناء طرق المواصلات الموصولة التي كانت صلة الوصل بين أنحاء البلاد النائية وروما العظيمة، اضافة الى الجسور التي لا تزال قائمة ومستعملة الى أيامنا هذه.
أردت من خلال هذه المقدمة أن أدخل الى صلب مشكلتنا مع طريق "محافظة" بعلبك – الهرمل، التي قاتل ممثلوها في الحكم خمسة عشر عاما لنيل لقب المحافظة، مع ان ذلك لم يقدم أو يؤخر او يغن من جوع. ومع نيل اللقب لم يتغير شيء على أرض الواقع، بل ازدادت الامور سوءا وتراجعا وانكماشا، فلم تصبح مدينة الشمس مركزا للمحافظة، ولم يفارق القائم مقام كرسيه، ولم يأت فرع الجامعة اللبنانية ولا الدوائر الحكومية ولا قصر العدل... الخ ولا الاوتوسترادات او جميع مظاهرها وأشكالها. أما المحافظة فقد غطت في نوم عميق لا يؤرقها الا نور مصباح كهربائي ينبعث بين فينة وأخرى، نتيجة نقص في التيار على مدى عقود طويلة.
كلما تحدثنا عن مآسي تلك المحافظة المهملة والمحرومة ازدادت قناعتنا بأن اهمال المنطقة يأتي بالدرجة الاولى من القريب قبل البعيد، ومن الامين على دماء أهلها قبل المؤتمن على أمنهم وسلامتهم وإلا فما بال الوعود التي أغدقت على أهلها طوال تلك العقود؟
لا أتحدث هنا عن أية وعود فلا زالت أصداء خطابات مرجة رأس العين تتردد بين اصداء أشجارها، وصخب مياهها يصدح بتلك الكلمات العظيمة والكبيرة لأنها أتت من الكبار الكبار، فالكلمة الشهيرة للأمام السيد موسى الصدر كانت منذ خمسة وثلاثين عاما خلت، تبعتها كلمات وكلمات، تعاقبت على مر السنين منها ما كنت شاهدا عليها ومنها ما شهدت عليها ملائكة الرحمن، مرورا بكلمات الشيخ صبحي الطفيلي قبل الثورة وبعدها، وكلمات الاستاذ نبيه بري قبل الانماء المتوازن وبعده، وكلمات سيد المقاومة قبل التحرير وبعده. عفوا، قبل انتخابات 2000 وبعدها، وقبل انتخابات 2005 وبعدها وقبل انتخابات 2009 وما سيكون بعدها، وقبل حرب تموز وبعدها سواء في مهرجان النصر الالهي او غيره، المهم ان المضمون واحد والكلمات لم تتغير الا بتغير تقنية الصوت والصورة والنقل الحي والمباشر.
طريق محافظة بعلبك – الهرمل رصفه الرومان قبل أكثر من الفي عام، وقامت السلطنة العثمانية بترميمه لأنه الطريق الاقصر بين الاستانة والقدس الشريف وأنحاء الجزيرة ومصر. وجاء الفرنسيون وعملوا على تعبيده بالطرق البدائية التي كانت سائدة. أما بعد فقد ذكر في سجلات الدولة اللبنانية مرتين أولاهما العام 1948 عندما أعيد تعبيده، وآخرهما العام 1985 حينما قدمت الكويت هبة لاعادة ترميمه، وتوالت عليه منذ ذلك الحين اصلاحات المتعهدين المقربين من حاشية السلاطين حتى اتسعت الرقاع وتمددت فلم يبق من طريق المحافظة إلا لون اسود تآكل من جانبيه ومن خلفه ومن بين يديه. في العام 2007 قامت الجمهورية الاسلامية الايرانية مشكورة بالتزام الطريق عبر الهيئة الايرانية للمساهمة في اعمار لبنان بعد حرب تموز، ولكن...
علي الموسوي