تروي إحدى معلمات الروضة، والتي مضى 26 عاماً على وجودها في مدرسة (س. ح. ب. د.) أن إدارة المدرسة لم تتنبه الى أنها لا تحمل شهادة جامعية إلا بعد مرور هذه الأعوام الطويلة على قيامها بمهنتها. وقالت: «جربنا التفاوض مع مديرة المدرسة إلا أن الرد جاء بتهديد آخر، إما القبول بالاستقالة أو بصرف الزوج الذي يعمل سائقاً في المدرسة».
مع بداية كل عام تطفو على سطح المشاكل التربوية في القطاع الخاص، مشكلة الصرف التعسفي، مغلفة تحت ستارات عدة، والنتيجة واحدة «الاستغناء عن خدمات المعلم من دون الأخذ بالحسبان عدد سنوات الخدمة، أو الوضع الإنساني والاجتماعي للمعلم المصروف». أكثر من 600 معلم تبلغوا قبل الخامس من تموز الجاري قرارات صرفهم، استناداً إلى المادة 29 من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، والتي تستند إليها المؤسسات التربوية لاتخاذ قراراتها، والرقم الى hزدياد.
تتنوع عمليات الصرف، ضمن حالات ثلاث، البعض منها بسبب انتقال ملكية المدرسة من مالك الى آخر، علماً أن القانون يؤكد على أن انتــقال الملكــية لا يعني التفريط في حقوق المعلمين أو صرفهم من دون وجــه حق، ونسبة هؤلاء كبيرة. وإما الصــرف التأديــبي ونسبة المصروفين هنا قليلة. والحال الثالــثة تتمــثل في توجيه كتب «شكر» للمعلمين يتبلــغون فيها بإنهاء خدماتهم، وهذا يمــثل صرفــاً تعــسفياً من دون مبرر.
الكثير من المعلمين يجهلون حقوقهم. فعلى الرغم من التنبيهات التي سبق أن وجهتها نقابة المعلمين في المدارس الخاصة إلى المعلمين بضرورة عدم التوقيع على كتب الصرف قبل مراجعة النقابة لحفظ الحقوق، إلا أن هؤلاء عادوا ووقعوا في «مصــيدة» بعــض المؤســسات، وعندما علموا أن حقوقهم قد ضاعت لجأوا الى النقابة.
واستباقاً لموعد السادس عشر من تموز، أي يوم دخول تبليغات الصرف المهل القانونية، جمعت نقابة المعلمين مجموعة من المعلمين المصروفين في مقر النقابة ـ بدارو، للاستماع الى شهادات حية لمعلمين ومعلمات طالهم الصرف التعسفي هذا العام من مختلف المحافظات، وإلى كيفية تبلغهم القرار بحضور محامية النقابة شانتال غوش.
وشدد أمين عام النقابة، وليد جرادي، على أهمية عدم الخوف من فضح المدارس أو المؤسسات التربوية التي أقدمت على صرف معلميها، مؤكداً استعداد النقابة لتقديم كل خدماتها لإظهار الحق. ولفت الى أن المشكلة تكبر لأن قسماً كبيراً من المعلمين لا يرضى البوح باسم المدرسة التي صرفته. ونبّه الى أن النقابة لا تستطيع الوقوف الى جانب المعلمين ما لم يقفوا الى جانب أنفسهم.
شهادات المصروفين
وعرض المعلم أحمد، من ثانوية الروضة، لحال 150 معلماً صرفوا من الخدمة، بسبب انتقال ملكية الثانوية من الورثة الى شخص أخر، وقال: «بحجة نقل الملكية تبلغ المعلمون قرار صرفهم شفهياً على أن يتسلموا كتباً بذلك، وحتى تاريخه لم يتسلم أحد أي كتاب، ولا نعرف ما هو مصير المعلمين». ولفت إلى أن المعلمين لا يعرفون حقوقهم، وعدد كبير منهم غير مسجل في جداول النقابة أو في صندوق التعويضات، لذلك جئنا الى النقابة لطرح قضيتنا، ووجدنا كل تجاوب.
رواية أخرى تنقلها معلمة من مدرسة في حوش الأمراء ـ زحلة: «تسلم خوري جديد إدارة المدرسة، وبعد بضعة أيام تم إبلاغ 15 معلماً بقرار صرفهم. وبعد سلسلة اتصالات مع الرئيسة العامة للمدرسة، وفرع النقابة في البقاع، تم التوصل الى دفع الحقوق مقسمة على ست دفعات، إلا أن المدير طلب إبراء ذمة المدرسة قبل دفع الدفعتين الأخيرتين. وتبين بعد ذلك أن المدرسة لم تسدد ما يتوجب عليها لصندوق التعويضات». وتابعت: «عندما أردنا قبض راتب حزيران فرض علينا إما التوقيع على قرار الصرف وإما عدم القبض، لذا كان لا بد من اللجوء الى النقابة لتصويب الأمور».
معلمة أخرى من المدرسة المركزية في جونية، تم صرفها تعسفياً، بعد خدمة 14 عاماً، إلا أنه وبعد تدخلات واستشارة محامي النقابة أخذت كامل حقوقها. أما مها بركات، فقضيتها تختلف عن الباقين. فبعد ست سنوات من التدريس في مدرسة الإخوة الجديدة - المريجة، تم صرفها تأديبياً بحجة ضرب أحد التلامذة. واعتبرت أن القضية تم تركيبها لصرفها. من جهتها نالت كرمة سلامة، من مدرسة الأخوة اللبنانية - الحدث، كتاباً مماثلاً بعد 16 عاماً من التعليم، وهذه المرة بحجة تحريض الأهالي على عدم المشاركة في رحلة إلى الثلج! تقول سلامة إن «السبب الرئيس يعود إلى مطالبتها بحقوقها المستمرة منذ سنتين، ورفعها شكوى الى وزارة التربية، للحصول على الدرجات وبدل النقل، ولم تجد المدرسة مبرراً لصرفي إلا بعد تغيبي عن رحلة الثلج بداعي إجراء تحاليل مخبرية، فتم اتهامي بتحريض الأهل». أما قصة معلمة من زحلة (رفضت ذكر اسمها واسم المدرسة) فهي مختلفة تماماً، تقول: «بعد انقطاع راتبي لمدة سبعة أشهر مع عدد من الزملاء وجراء إلحاحي في المطالبة، جاء قرار الصرف تأديبياً والسبب أنني أحتسي الكحول..». وتابعت: «صحيح أنني بنت زحلة وأحب العرق، لكن هل يعقل أن أذهب الى المدرسة وأنا مخمورة؟ ولماذا صبرت المدرسة عليّ 12 عاماً حتى تلصق بي هذه التهمة؟».
محفوض: سرقة موصوفة
وتنفيذاً لتهديده بكشف الأمور، عقد نقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض مؤتمراً صحافياً، بعد ظهر أمس في مقر النقابة، في حضور المجلس التنفيذي للنقابة، أثار فيه «أزمة الصرف التعسفي الجماعي في بعض المدارس الخاصة»، ولفت إلى وجود صرف جماعي في مدارس عدة، وحالات صرف فردية في العديد من المدارس وخصوصاً المتعاقدين.
واللافت، برأيه، أن العديد من المؤسسات التربوية صاحبة «الفضل» في الصرف لا تقوم بما يتوجب عليها من تسديد للمساهمات والحسومات لصندوق التعويضات. فكانت على مر الزمن تقتطع من رواتب المعلمين (ستة في المئة من الراتب، وستة في المئة من المدرسة) دون تسديد أي شيء لصندوق التعويضات... وهذا يعتبر «سرقة موصوفة». وفي هذه الحالة يقع على عاتق هذه المؤسسات أن تدفع التعويضات اللازمة للمعلمين المصروفين زائدا التعويض الإضافي بسبب التعسف...
الأمر الثاني الملفت هو هذا الصرف الجماعي في بعض المؤسسات الكبيرة بحجة الأزمة المالية التي تمر بها مع العلم أن مؤسسات أخرى مرت بهذه الأزمة واستطاعت وبالاتفاق مع أفراد الهيئة التعليمية أن تعالج المشكلة دون اللجوء الى الصرف وقطع أرزاق العديد من العائلات لأن الغاية كانت التربية والتعليم وليس الربح ولو على حساب كل شيء.
وأعرب محفوض عن أسفه لأن العديد من المؤسسات التربوية تحول الى مشاريع تجارية يحكمها عامل الربح والخسارة فقط، من دون الأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها كل أجراء لبنان، أو الهدف التربوي والتعليمي.
وأكد أن النقابة، وأمام واقع استخدام المادة 29 لتشريد العديد من الزملاء، ستلجأ، وبالتعاون مع المستشارين القانونيين، إلى معالجة بعض حالات الصرف حبياً، وبالاتفاق مع إدارات المدارس، إما بالعودة عن قرار الصرف ومعالجة ذيوله وإما بإعطاء المصروف حقوقه بالتعويضات المتوجبة بالأساس وبالإضافي. كما ستتم مقاضاة بعض المؤسسات التي كانت تقتطع الحسومات من رواتب المعلمين من دون تسديدها للجهة الصالحة، أي «صندوق التعويضات»، وكذلك عدم دفعها للمساهمات المتوجبة عليها.
وحمّل محفوض وزارة التربية المسؤولية في الحد من عمليات الصرف هذه، بوضع حد لبعض المؤسسات «التجارية» التي تبغي الربح على حساب «التربوي»، وعدم الموافقة على بيع رخصة المدرسة من شخص الى آخر الا بعد التأكد من الحفاظ على حقوق المعلمين والموظفين جميعاً والحفاظ على الهدف التربوي. بالإضافة إلى العمل على تعديل المادة 29 المشؤومة لجهة قيمة التعويض ولجهة العجلة القضائية، علماً أن مشروع التعديل أعدّ منذ فترة وهو في أدراج وزارة التربية وقد وعدت الوزيرة بهية الحريري بتسريع العمل على تمريره.
كما حمل محفوض وزارة العدل، وعلى رأسها الوزير، بعضاً من المسؤولية لجهة العجلة القضائية... واستغرب أن وزير العدل لم يعطهم موعداً لبحث الموضوع القضائي رغم الطلبات المتكررة عبر مكتبه...
ورداً على سؤال، كشف محفوض أن «هناك مدارس لا تطبق القوانين النافذة ومنها إجازة الأمومة، زيادة الأجور، مجانية التعليم لأولاد المعلمين، بدل النقل، وغلاء المعيشة، وساعات التناقص». وأكد أن النقابة لا يمكن أن تحل محل الدولة، لذا ستترك الأمور إلى القضاء من دون أن تتخلى عن المتابعة.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |