خبراء يناقشون «مشروع تعزيز مشاركة الشباب اللبناني وتمكينه»: كيف نزيد نسبة المواطن ونخفف نسبة الرعية في اللبناني؟

النقاش هادئ. المدعوون إلى الحوار حول «مشروع تعزيز مشاركة الشباب اللبناني وتمكينه» بصفة خبراء، هم في معظمهم أكاديميون وناشطون في المجتمع المدني. والحوار هو واحد من ستة لمناقشة نتائج المشروع المستمر منذ أواخر العام 2007 وتشرف على تنفيذه منظمة اليونيسكو بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المنضوية في مجموعة عمل الأمم المتحدة الخاصة بالشباب.
في تعريف سريع لخلفية المشروع برزت ضرورة للعمل على صياغة سياسة شبابية وطنية في لبنان استجابة للتحديات التي تواجه الشباب اللبناني، والتي تستوجب وجود رؤية شاملة واضحة ومتكاملة على المستوى الوطني. أما اهداف المشروع فهي: تعزيز مشاركة الشباب اللبناني (15-29 عاماً) في مجالات الحياة العامة كافة، دعم مشاركة الشباب في عملية صنع القرار، دعم عملية صياغة سياسة شبابية وطنية في لبنان واعتمادها.
«مخرجات المشروع»، أي ما سيصدر عنه، هو التالي: وثيقة السياسة الشبابية. وثيقة مرجعية تشكل قاعدة معلومات وتتضمّن احصاءات ديموغرافية وتحليلاً لواقع الشباب في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والصحية وغيرها..
دراسة قانونية تتضمن عرضاً وتقييماً لأبرز أوجه النظام القانوني اللبناني الناظمة لمشاركة الشباب او المؤثرة فيها، بالاضافة إلى مجموعة توصيات لتعديل القوانين بهدف تفعيل المشاركة.
دليل المنظمات الشبابية يتضمّن قاعدة معلومات حول المنظمات والهيئات الشبابية او تلك التي تعمل من اجل الشباب. بطاقة شبابية تهدف إلى تأمين خدمات وتسهيلات للشباب في مجالات عدة والى الإسهام في تفعيل مشاركتهم في الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
في اجتماع الخبراء، أمس، ترأس الدكتور حسن كريّم (من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيروت) الجلسة الاولى، حيث عرضت رندلى عبد الباقي خلفية واهداف المشروع والمراحل المنجزة منه، كما عرض د.رياض طبارة الوثيقة المرجعية حول الشباب اللبناني - الاندماج الاجتماعي والمشاركة السياسية.
طبارة قال إن أهم معوق لاندماج الشباب في الحياة السياسية هو في سن الاقتراع، ولبنان واحد من 12 بلداً من أصل 228 دولة ومقاطعة يعتمد سن 21 سنة عمراً للاقتراع. غير ان المشاركة السياسية، بحسب طبارة، ليس في سن الانتخاب فقط، بل يجب التحضير لها خلال فترتي المدرسة والجامعة. هذا التحضير يفترض به أن يكون افقياً يتناول كل الاختصاصات، بحيث لا يفوت من يدرس الطب، مثلاً.
المعوق الثاني هو في الأحزاب التي لديها قطاعات شبابية وطلابية تراعي مصالح احزابها ولا تبحث عن اجندتها الخاصة بها بمعزل عن مصالح احزابها.
كريّم كان اول المعقبين في هذه الجلسة. قال إن المسوحات في لحظات معينة تبين أنّ هناك اعادة إنتاج للانقسامات يديرها الشباب ويعيد تظهيرها لكن هذا أمر لحظوي، بينما التغيير والتجديد هما مساران شبابيان، حيث يجب أن يكون هناك تصور تحديثي للنظام وللقيم. كريم عاد إلى المشكلة التي تبدو أصيلة ومتجذرة: المشكلة التي بدأتها الحرب الاهلية ولم تعالج بعد. خسر اللبنانيون المساحات المشتركة، من الجامعة اللبنانية وصولاً إلى أي ساحة عامة، واستمروا في ابتعادهم عن هذا الحيز المشترك بعد 19 سنة على نهاية الحرب.
من جهة ثانية، فإن الشباب يشكل القاعدة الاساسية للأحزاب اللبنانية لكن المشكلة تقع في الدور وليس في الانخراط. كريّم سأل عن موقع الشباب، ومدى تأثيره، وعن الأجندة عند الاحزاب. مثل هذه النقاط غائبة عن الاحزاب، وعلى الشباب ان يعمل على وجودها، قال كريّم.
الدكتور مسعود ضاهر (باحث اكاديمي) انتقد التوصيات الصادرة عن ورشات العمل التي نظمها المشروع حول الاندماج الاجتماعي والمشاركة السياسية، قائلاً إن مثل هذه التوصيات لا تزعج الدولة لأن ليس فيها ما هو قابل للتطبيق وليس فيها الحد الأدنى من التنبه إلى احتياجات الشباب وهي تفتقد إلى رؤية دور الشباب، ان في لبنان او في العالم، وهو التمرد والعصيان والوعي الشبابي الذي هو مناقض للسائد لأن مثل هذا الوعي يحمل بذور المستقبل.
عبد الباقي شرحت أن التوصيات التي رفعها المشروع صادرة عن الشباب المتنوع الذي شارك في ورشات عمل المشروع.
أما الدكتور أحمد بعلبكي (أكاديمي في علم الاجتماع) فقال إن ثلاثة ارباع الشعب اللبناني يعيش حيث لا ينتخب وينتخب حيث لا يعيش. مثل هذه المفارقة بحد ذاتها معوق في اندماج الشباب بالحياة. نقطة أخرى اضاء عليها بعلبكي هي هزال الاحزاب اللبنانية نفسها، وليس هزال مشاركة الشباب فيها. هذه احزاب تخضع لمركزية تنحصر في معظم الاوقات بزعيمها. اللامركزية في الاحزاب، كما في الادارات الحكومية وغيرهما، طريق الى الاندماج.
ربيع صلاح، وهو ناشط فلسطيني في جمعية أجيال اللبنانية، قارب محور اللقاء من ان البرنامج المطروح يقول له إنه لا يستطيع المشاركة، متابعاً: يحكى أنه حين يدخل الشباب في الاقتراع والقرار وغيرهما، فسيعطونني حقوقي. السؤال: لماذا نريدهم أن يدخلوا في الاقتراع؟ هل نعرف إلى اين يصلون؟ الجواب هو في أنه كلما ابتعد الوعي عن أن يكون وطنياً واقليمياً، وبقي طائفياً، فسيبقى الوضع على ما هو عليه.
المتحاورون تطرقوا إلى مختلف العناوين التي تقع في خانة المعوقات، من قانون الأحزاب الى قانون الاحوال الشخصية إلى التعليم وشجونه الرسمية والخاصة، حيث للطوائف مؤسساتها التربوية الخاصة التي تنحت في أبنائها ما تريده من عقائد دينية. ورأى استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، الدكتور علي الموسوي، أنه فليقم التعليم الخاص بما يريد، وفي المقابل فليدعم التعليم الرسمي الذي يضم الغالبية من الطلاب اللبنانيين. غير أن المدرسة الرسمية، بحسب الناشط مكرم كامل، واقعة في معضلة التعليم الديني الذي يختلف احياناً بين جماعة واخرى في داخل المذهب نفسه، بحسب موقع المدرسة الرسمية الجغرافي ومحيطها.
الدكتور غسان عيسى، ورداً على سؤاله عما تبقى من المواطنة في لبنان، ميز في مداخلته بين الرعية (مفرد رعايا) والمواطن. قال إن اللبناني مقسوم قسمة غير متساوية. خمسة وسبعون بالمئة من اللبنانيين تتبع قوانين الطائفة، وخمسة وعشرون تتبع قوانين الوطن. علينا ان نعمل على إنقاص النسبة الاولى، لترتفع الثانية. علينا ان نخفف من اللبناني الرعية، ونزيد اللبناني المواطن.
كلام عيسى يبدو اختصاراً لجلسة نقاش أمس الهادئ الرصين. أما المشروع نفسه، فمستمر، تنتظره محطات أخرى، حيث يفترض أن تقر الوثيقة السياسية الشبابية وترفع إلى مجلس الوزراء. ولكل حادث، حينها حديث.
للمعلومات حول المشروع:
www.minijes.gov.lb/yepp