لن نسكت ما دام في لبنان محروم واحد

عقدت حركة "امل" مؤتمرها العام الثاني عشر بعنوان مؤتمر الشهادة والانتصار في مجمع باسل الاسد الثقافي في صور بتاريخ 19 تموز 2009، ويكتسب هذا المؤتمر اهميته من خلال الاحداث والتطورات التي عصفت بوطننا لبنان والمنطقة من احداث دراماتيكية وحساسة ولا سيما الفترة الزمنية الفاصلة بين المؤتمر الحادي عشر الذي انعقد في 17/12/2005 وتاريخ انعقاد هذا المؤتمر، خصوصاً حرب تموز التي باشرتها الايدي الاجرامية الصهيونية على لبنان، حيث ما زالت آثار الجريمة الاسرائيلية المنظمة ماثلة حتى الآن من قصف المناطق السكنية الى قتل الاطفال والشيوخ الى استخدام اسلحة محرمة دولياً وجعل الارض والبشر حقل تجارب للآلة الاميركية الاسرائيلية، رافقت هذا العدوان توترات داخلية ألقت بثقلها على المواطن وأمنه وتأمين مقومات عيشه وسط انقسام عربي تعززت على وقع هذه الازمة الداخلية حتى انعقاد مؤتمر الدوحة والذي انتج اتفاقاً اعاد الحيوية الى المؤسسات الرسمية الاساسية من انتخاب رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء الى انتخاب مجلس نيابي على اساس قانون 1960 الذي رسم حدود اطمئنان للقلقين على اتساع رقعة الدائرة الانتخابية رغم موافقة المعارضة على مضض على قاعدة ان التنازل يجب ان يكون للوطن وليس لغلب اشخاص فيه، من هنا فإن حركة "امل" كانت السباقة الى تعميم مناخ الوفاق على اساس ان لبنان ينهض برؤية توافقية فيها الشراكة الحقيقية والتي تأتي معبراً عن خلفية الميثاق الوطني واتفاقي الطائف والدوحة.
ان المتتبع لمناقشات المؤتمرات الحركية كافة يجد ان عبارة المؤتمر التأسيسي الاول تحضر بين سطور المتحدثين وكلماتهم خصوصاً في المناقشات التي تحتاج الى معايير، وهذا المؤتمر الوحيد الذي حضره الامام المغيّب القائد السيد موسى الصدر. ولقد انعقد هذا المؤتمر في الفترة الممتدة من 28 ايار 1976 ولغاية 30 منه، اذ انه منذ انطلاقة حركة المحرومين وحتى تاريخ انعقاده لم تسمح الظروف السياسية والامنية بعقد اجتماعات عامة تأسيسية للعمل التنظيمي السياسي.
خلال ثلاثة وثلاثين عاماً عقدت حركة "امل" اثني عشر مؤتمراً بمعدل مؤتمر كل 3 سنوات او اقل بقليل كان خلالها تقييم العمل التنظيمي وتصويب الامور وبالفعل فإن الصيغ تبدلت شكلاً ومضموناً من الامانة العامة في مجلس القيادة الى صيغتي الهيئتين التشريعية والتنفيذية، الى هيئة الرئاسة تبديلات في جغرافية المناطق والاقاليم ولمرات عديدة، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على الحيوية والديموقراطية التي تسود اجواء الحركة علماً انه في لبنان العديد من الاحزاب التي احتفلت بعيدها الماسي لم تجر اكثر من خمسة مؤتمرات سواء كانت هذه الاحزاب يسارية او يمينية.

حركة امل والدولة
ان المفردات الاساسية للنص السياسي الحركي تعتمد دائماً على ضرورة التمسك بوحدة لبنان ورفض التقسيم وقيام الدولة على اساس احترام حقوق المواطنين والدفاع عنهم وعن الارض خصوصاً وان العدو الاسرائيلي يستهدف الارض والانسان، والشواهد اكثر من ان تعد على نيات العدو الاسرائيلي وممارسته التي استهدفت الارض والانسان.
وبدخول الحركة عبر رئيسها الاخ الاستاذ نبيه بري وعدد من كوادر الحركة الى مراكز السياسة من رئاسة مجلس النواب الى وزارات وادارات عامة، صارت هذه الحركة مشاركة بشكل اساسي وريادي في الدولة والسلطة وان الحركة تحمل هموم الناس ومطالبهم ومسؤولة امامهم لا عنهم، كما يعبر دائماً دولة الرئيس نبيه بري، ولكن هناك خيطاً رفيعاً بين ان تكون في موقع المسؤولية خصوصاً مسؤولية اساسية في الدولة كرئاسة مجلس النواب او ما يليها من المشاركة من مجلس الوزراء او الادارة العامة وان تكون في صفوف الجماهير في آن، وهذا أمر بالغ الدقة، ولكن المؤتمر الثاني عشر لحركة "أمل" من خلال مناقشاته توصل الى قاعدة اساسية ان مسؤولية بناء الدولة على أسس العدالة هو أمر ضروري ينبغي التأكيد عليه وان نحمل هموم الناس لا يقل اهمية خصوصاً ان هذا مبرر من مبررات وجودنا، ولذلك كانت الخلاصة التالية:
ان للدولة ضرورات وللناس حاجات، لسنا خارج حركة الناس بل في صلب هذا التحدي، ومن واجبنا العمل على الاسهام في العبور الى دولة العدالة والمساواة اوليس المجلس النيابي هو المنبثق من الشعب وعليه تطرح هموم الناس والسبل الآيلة لحل جميع التحديات التي تتهددهم؟ ولأنه ليس لدينا مشروع خارج اطارالدولة ولا نحمل اي شعار يتناقض مع وحدة لبنان، فالاجابة عن هذه الاسئلة غير محرجة بل تصبح يسيرة. وقد اثبتنا ذلك في الدفاع عن ارضنا في وجه اسرائيل حيث آلاف الشهداء والجرحى لأفواج المقاومة اللبنانية "أمل" في هذا المضمار.
وعليه، فان المشهد العام لاداء الحكومة تجاه المواطنين لا يبشر بمستقبل زاهر خصوصاً على مستوى الخدمات ازمة في الكهرباء وازمة في المياه وازمة الضرائب المباشرة وازمة في النقل العام وأزمة في الزراعة، ولذلك جاء المؤتمر الثاني عشر لحركة "أمل" ليؤكد أن المشكلة الاساسية لدى الحكومة وبعض قطاعات الدولة يتمثل في أدائها على اساس المياومة وليس على اساس خطة، من هنا فحركة "امل" معنية تماماً بعدم اغلاق الملفات من مشروع الليطاني الى مشروع العاصي، لأنها ثروة وطنية لا تخص طائفة بمفردها ولا جهة خاصة، بل تخدم كل لبنان وارض الوطن، وكذلك فان تحرير لبنان من الديون لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الرؤى الشاملة. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التوافق والمشاركة وسياسة الاستفراد التي ستشكل العبء على اصحاب هذه النظرية ومن خلالهم احباط الساعين لاخراج لبنان من محنته وازمته.
أجل إن الاساس هو ان تقوم حكومة فاعلة وطنية ويجب ان تكون المؤسسات قائمة على مبدأ التعاون والتوازن الذي نص عليه اتفاق الطائف خصوصاً أن الشعب اللبناني اثبت انه يتمتع بكفاية عالية في التعبير عن سلوكه الديموقراطي الأمر الذي أتاح لبلدنا عبور الاستحقاق بهدوء ولعل ذلك يشكل مدخلاً حقيقياً لجعل الديموقراطية منهج حياة لا مجرد مرحلة عابرة، وعليه يمكن ان نؤسس الى العبور نحو بناء الدولة العادلة من خلال العمل على الغاء الطائفية السياسية، وحسب اتفاق الطائف، ايضاً بتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وهذا المطلب القديم الجديد رافق الامام موسى الصدر في تحركاته ما قبل الطائف واستمر به دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري.
ومن الطبيعي ان يكون موضوع الصراع العربي الاسرائيلي وضرورة تضامن حركات التحرر العالمية واقامة اوثق العلاقات مع دول الممانعة ايران وسوريا وسواهما هو من اولى هموم المؤتمر، خصوصاً ان المشكلة الاساسية في لبنان هي ان فريقاً من اللبنانيين يتجاهل كل جرائم اسرائيل وخروقاتها اليومية وخططها السوداء، ويحاول الفريق التسويق للعداء لعدو وهمي، وما اللعب على وتر الخطر السوري على لبنان وتجاهل الخطر الاسرائيلي ليس إلا تجسيداً للعدوان الدائم على أمن المواطن، خصوصاً ان سوريا الأسد قدمت اكثر مما هو مطلوب منها تجاه لبنان في الظروف الصعبة واعطت حتى الدم وشهداء الجيش العربي السوري يشهدون على الدور الانقاذي لسوريا حيال لبنان، فيما اسرائيل تصعد سنوياً من مجازرها وعدوانيتها، ان اضاعة البوصلة عند بعض الفرقاء في لبنان هو في حد ذاته اضاعة لفرص النهوض بهذا البلد.
إن انعقاد المؤتمر في هذه الظروف هو تأكيد على ثوابت حركة "أمل" من الانطلاقة مع الامام القائد السيد موسى الصدر استمراراً مع دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري، حيث كانت المناقشات والتوصيات والمفردات تصب في هذا الاتجاه وهو الحافز لشتى قطاعات الحركة ان تعمل باندفاعة عاقلة تحقق التطلعات التي من اجلها استشهد المجاهدون في افواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وان حركتنا تقول وتفعل ولا يوجد لدينا ظاهر وباطن حتى المناقشات والمداولات الداخلية السرية لم تحمل اي تناقض مع ما هو معلن من مواقف الحركة بدءاً من مواقف الرئيس الى هيئة الرئاسة الى القطاعات كافة في لبنان والاغتراب.
ان انعقاد مؤتمر الشهادة والانتصار وفي مركز باسل الأسد الثقافي في صور يكتسب اهمية العنوان والمكان، ولعل شعار الامام الصدر "لن نهدأ ما دام في لبنان محروم واحد" هو الحافز على أن نعمل من أجل الدفاع عن الارض والانسان في وطننا لبنان.
وأخيراً تبقى لمنطق الدولة ضرورات وللمواطنين حاجات ومسؤولياتنا كبيرة في ردم الهوة بين الضرورات والحاجات بدءاً بالدفاع عن الارض بدعم المقاومة الى رفع الحرمان وانصاف المناطق المحرومة ومن أجل جميع الطوائف، من أجل لبنان.

بقلم خليل علي حمدان
(عضو هيئة الرئاسة لحركة "أمل)