الضريبة على المضافة محطة مفصلية في إطلاق الإصلاح الضريبي

استأثر موضوع الدين العام منذ أكثر من عقد من الزمن بحيز كبير من الاهتمام وخصوصا بعد تناميه ككرة الثلج التي يتعذر لجمها او وقفها بفعل تقطع المعالجات وخضوع هذا الموضوع للابتزاز السياسي. فرغم مختلف الجهود الرسمية التي بذلت على هذا الصعيد وأكثرها جدية وفاعلية تمثل بمؤتمري باريس2 وباريس3 اللذين خصصا لتأمين الدعم المالي الدولي للمالية العامة والمساهمة في خفض كلفة الدين بما ان الهندسة المالية التي قام عليها المؤتمران ركزت على خفض بنية الفوائد، فان التعطيل الذي تعرض له تنفيذ مقررات المؤتمرين المذكورين بفعل تضافر عوامل مختلفة منها سياسية ومنها امنية ومنها ادارية وتقنية بحتة عائدة الى القيود القانونية والمعوقات الاشتراعية، قد ادى في واقع الامر الى استمرار تنامي المديونية من دون اي رادع ليقارب رقمها الـ47 مليار دولار مع نهاية السنة الجارية اذا نجحت السلطة المالية في المحافظة على الاهداف المالية المعلنة والقاضية بالبقاء ضمن نسبة دين الى الناتج المحلي الاجمالي في حدود 162 في المئة.
وثمة مفارقة لا بد لأي متابع للمسار المالي والاقتصادي في لبنان من ملاحظتها، وهي ان موضوع الدين العام وعلى اهميته وتناوله في اي خطاب او موقف او بيان وزاري او خطة اقتصادية، لم يحظ بالمناقشة الكافية حول سبل معالجته واحتوائه رغم كل الطروحات التي أبديت في هذا الشأن. ذلك انه لم يسجل اي حوار اقتصادي جدي قادر على ان يحظى بفرص المتابعة على مستوى السلطة السياسية لتأمين قرار سياسي ينال باجماع مختلف الافرقاء للمضي في استراتيجية واضحة لخفض الدين بقطع النظر عن الواقع السياسي وبالتالي ابعاد هذا الموضوع الدقيق والخطير عن التجاذب والمزايدات السياسية والتشكيك والاتهامات التي تحمل فريقا دون آخر مسؤولية هذا الدين. واقتصر التعامل مع هذه المسألة الشائكة على مستوى عدد من الخبراء والاقتصاديين في محاولات منفردة غالبا ما انتهت الى مواقف تعبّر عن آراء أصحابها.
والواقع ان الدين لم يكن الا مسؤولية مشتركة على مستوى السلطتين التنفيذية والاشتراعية على مدى الاعوام التي شهدت تطوره، باعتبار ان أي قرار او اجراء انفاقي أو مالي، او اي توجه للسياسات المالية والنقدية خضع لمجلس الوزراء ولرئاسة الجمهورية لكل جلسات المجلس الممتدة منذ عام 1998 وحتى عام 2005. وغالبية الجلسات التي انعقدت في الفترة اللاحقة حتى اليوم، فضلا عن خضوعه لمراقبة مجلس النواب ومحاسبته خلال الجلسات العامة او جلسات الاستجواب او المساءلة او حتى طرح الثقة التي عقدت في تلك الحقبة.
والمفارقة انه مع تطور مسألة الدين العام وبلوغه سقوفا خطيرة ، لم يدع مجلس النواب ولو لمرة واحدة للبحث في هذا الملف، كما لم يخصص جلسة واحدة يطرح فيها الموضوع حيثياته وارتداداته كاملة، ما جعل هذا الملف مثار جدل دائم.

التسعينات
ومشكلة المديونية العامة بدأت منذ منتصف التسعينات. وبعدما كانت نسبة الدين العام توازي 50 في المئة من الناتج في بداية ذلك العقد اذ كان الدين في حدود 3 مليارات ونصف مليار في مقابل ناتج محلي اجمالي مقدر بـ5 مليارت ونصف المليار، بدأ حجم الدين يتنامى بوتيرة اسرع مع انطلاق ورشة اعادة الاعمار ليقارب عتبة الـ100 في المئة من الناتج اعتبارا من مطلع 1998. ونظرا الى ان ذلك العام شكل محطة مفصلية في تغير منهج السياسات المالية القائمة مع تسلم الرئيس سليم الحص رئاسة الحكومة الاولى في عهد الرئيس السابق اميل لحود، فقد بدأ تسليط الضوء على الملف المالي من مقاربة مختلفة.
ومع ان المحاولة الجدية الاولى للتعامل الرسمي مع ملف المديونية بدأ مع خطة التصحيح المالي التي وضعتها حكومة الرئيس الحص لخمس سنوات وحددت فيها اهدافا لضبط تنامي المديونية، فان الحلقة المفرغة لتنامي الدين لم تنكسر ولم تنعكس معها دينامية نموه بل على النقيض استمرت كرة الثلج بالتنامي في السنوات اللاحقة لتصل معها نسبة الدين العام الى الناتج مستويات تخرج عن السيطرة، أي أنها بلغت 180 في المئة مما استدعى محاولة جدية ثانية تولاها الرئيس رفيق الحريري عبر مؤتمر باريس 2.
ورغم الدفق المالي الذي وفره المؤتمر ومناخ الثقة الذي ارساه والهندسات المالية التي رافقته على مستوى السلطتين المالية والنقدية، فان المؤتمر الذي خضع بدوره الى التجاذب السياسي القائم اعاد الحلقة المفرغة الى دورتها السابقة كما أرجع قطار الدين الى السكة الصاعدة.
واذا كانت المحاولة الجدية الثالثة للاصلاح المالي تمثلت في تلك الحقبة بمشروع موازنة 2005 الذي وضعه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بصفته وزيرا للمال في ذلك العام وكان على مسافة ايام قليلة من تركه موقع المسؤولية، فان المشروع الذي وصف في حينه بـ"القنبلة الاصلاحية" لما تضمنه من ثورة على المحرمات ومبادرة الى وضع الاصبع على الجروح النازفة في مالية الدولة، لم يقر وأعيد درسه بعدما افرغ من بنوده الاصلاحية لتقع من بعده مشاريع قوانين الموازنات العامة ومنذ ذلك التاريخ في فخ التعطيل والتجميد ومنها 3 مشاريع عائدة الى الاعوام 2006- 2007- 2008 فيما مشروع قانون موازنة 2009 الذي أقر في آخر جلسة لمجلس الوزراء في الحكومة الحالية قبل تحولها الى تصريف الاعمال، لا يزال ينتظر فتح مجلس النواب ابوابه امام اللجان من اجل الدرس والتشريع.
ويلاحظ انه منذ بدأ النظر الى المديونية على انها مشكلة اساسية وتتطلب معالجات بنيوية وجذرية، لم تختلف الآراء حول تشخيص اسباب تراكم الدين والناتجة في شكل اساسي ومختصر من العناصر الآتية:
1 - اعباء الخروج من الحرب الاهلية والتي تمثلت باطلاق ورشة اعادة الاعمار.
2 - كلفة الاستقرار النقدي الناجم عن توافق سياسي على حماية العملة الوطنية وذلك عبر تحمل اكلاف بنية فوائد مرتفعة ( وان بشكل متفاوت)، لم ينعكس مسارها الا بعد مؤتمر باريس2. وفي هذا المجال تمكن العودة الى جواب الحكومة عن سؤال مقدم من النائب نزيه منصور مطلع عام 2003 حول حجم الدين والذي جاء فيه ان "القيمة الاجمالية المدفوعة على الدين العام الداخلي والخارجي منذ عام 1992 وحتى ايلول 2003 بلغت 30445،6 مليار ليرة او ما يعادل 20 مليار دولار من اصل 44709 مليارا عازيا العوامل المؤثرة في تحديد اسعار الفائدة المحلية وتقلباتها وتوجهاتها المستقبلية الى الاوضاع السياسية والمالية ومستويات الثقة بالاقتصاد ومستقبله ونسبة الدولرة فيه ودور شركات التصنيف الدولية وانطباعاتها.
3 - انفاق انفلاشي من دون اي ضوابط او قيود او تنظيم فرضته سياسات المحاصصة والاستغلال السياسي للمال العام وما أسماه الرئيس السنيورة في خطته لانماء المناطق اللبنانية بـ"الانفاق المتوازن" بديلا من الانماء المتوازن.
4 – ولم يقابل الانفاق المنفلش ولا سيما في المواسم الانتخابية بزيادة واضحة في الايرادات لسببين اولهما اعتماد السلطة السياسية سياسة عدم فرض ضرائب جديدة بهدف عدم تحميل الفئات المتوسطة والدنيا اي اعباء مالية تضاف الى الاعباء المعيشية الناجمة من تجميد للاجور لفترة طويلة (لأكثر من عقد) وتراجع القدرات الشرائية لهؤلاء فضلا عن عدم اقرار اي خطط او اجراءات تساعد في تعزيز الجباية لتحسين موارد الدولة بالشكل المطلوب. ولعل ابرز مثال في هذا المضمار وضع الخزينة العامة مع قطاع الكهرباء.
5 – كذلك لم يقابل الانفاق العشوائي وعدم ضبط الايرادات اي عمل جدي من اجل تعزيز النمو وتحقيق مستويات عالية في ارتفاع حجم الناتج المحلي الاجمالي. وقد عزز تفاقم هذا الامر الظروف السياسية والامنية غير المستقرة التي سادت في البلاد ولا سيما منذ عام 2005 وعدم مقاربة الحكومة لهذا الموضوع بالجدية المطلوبة الا في برنامجها الى مؤتمر باريس3 حيث بدأت المقاربة الاجتماعية تأخذ محلها على حساب ايلاء الاولوية الدائمة للاختلالات المالية.
6 - تراكم متأخرات غير محتسبة من داخل الموازنات.
7 - فشل غالبية الحكومات في التزام الاهداف المالية الموضوعة في الموازنات وبالتالي عدم ابقاء مستوى العجز السنوي المحقق ضمن النسب المقدرة.
8 - عدم مرافقة وتيرة تنامي الدين العام والعجز المالي اجراءات على مستوى حجم الدين بحيث ان الاجراءات المقترحة للمعالجة على جديتها وقدرتها على احتواء المشكلة لم تؤخذ في الاعتبار بل تم التعامل الرسمي معها باجتزاء ان على صعيد السلطة التنفيذية او على صعيد السلطة الاشتراعية حيث لم تعط الاولوية.

أزعور
الوزير السابق للمال جهاد ازعور الذي عايش الحقبة الاخيرة عن كثب يستعيد بذاكرته موضوع تطور الدين العام فيقول ان هذا الملف بدأ يطرح جديا منذ بداية عام 1996 وذلك بعدما بدأ يسجل نموا سريعا بسبب ارتفاع النفقات بوتيرة اسرع من وتيرة ارتفاع الايرادات، فضلا عن ان ارتفاع معدلات الفوائد وانعكاس الازمات السياسية على الموضوع أوجد مشكلة باتت تغذي نفسها بنفسها في حين لم تكن العمليات المالية للدولة تنتج اي فوائض.
ويعزو ازعور تفاقم مشكلة الدين الى سببين، اولهما ورشة اعادة الاعمار والثاني حماية الاستقرار النقدي وخفض مستوى التضخم الذي أحدث انفاقا اضافيا لم ترافقه ايرادات جديدة ما أوجد بداية لأزمة تعمّقت في ما بعد بسبب بنية الفوائد وبنية الدين التي كانت قصيرة الامد.
ورأى ازعور ان مشكلة الدين أقحمت في الصراع السياسي بهدف تظهير خطأ سياسات الرئيس الشهيد رفيق الحريري من جهة، وافادة فئة معينة من المستثمرين من جهة أخرى.
ولفت الى بدء المسيرة الاصلاحية في الحكومة التي بدأت محاولة خجولة عام 1997 ولكن الجهد الجدي ما لبث أن تبلور مع الرئيس سليم الحص من خلال الخطة الخمسية للتصحيح المالي التي وضعت الاسس لمعالجة مشكلة العجز المالي. لكن الموضوع لم ترافقه في حينه اجراءات تنفيذية كالخصخصة او الاصلاحات الضريبية. ومع عودة الرئيس الحريري الى الحكم اصبح موضوع الدين الهم الرئيسي الاول للحكومة وجاء مؤتمرا باريس 1 و2 لتأكيد هذه الاولوية وكان الهدف منهما ارساء معالجة على 3 مستويات:
- السياسات المالية.
- العمل المؤسساتي.
- إحداث دينامية جديدة عبر برنامج متكامل من اجل تحقيق فائض اولي والاعتماد على الخصخصة لخفض مخزون الدين وتأمين دعم مالي دولي لتخفيف عبء الدين وتطويل آجاله. وبالفعل نجحت الحكومة في اعادة هيكلة ثلث الدين العام عبر القطاع الخاص من جهة، واطفاء ديون لدى المصرف المركزي من جهة ثانية، والدعم الدولي من جهة ثالثة. وكان يفترض ان يستكمل هذا المسار بعمليات الخصخصة، ولا سيما في الكهرباء من اجل خفض عجزها واعبائها الراهنة والمستقبلية.
والى المكونات الثلاثة المشار اليها يضيف أزعور مكونا رابعا هو النمو الذي اقترحه لبنان في مقابل توصية صندوق النقد الدولي الذي كان موقفه في تلك المرحلة غير متفهم للخصوصية اللبنانية، بالخفض القسري لحجم الدين عبر اعادة النظر في سعر الصرف واجراء عملية اعادة هيكلة على غرار ما شهدنا في بعض دول اميركا اللاتينية. وهذه التوصية رفضها لبنان بشدة نظرا الى تداعياتها السلبية على الاستقرار في البلاد معولا في المقابل على تعزيز النمو بما يتيح خفض نسبة الدين الى الناتج من 180 في المئة الى 145 في المئة، وخدمته الى اقل من نصف موارد الدولة وهي ابرز الاهداف المالية حتى 2001 التي وضعها لبنان لاحقا في برنامج الحكومة الى مؤتمر باريس3.
ويقول ازعور انه في الاعوام الاربعة الماضية حصل تحول تدريجي مبني على مقاربة مؤداها ان الدين مشكلة ولكن لا يمكن حصر كل السياسة الاقتصادية به. من هنا اصبح النمو مكونا قابلا للبناء عليه من أجل معالجة مشكلة المالية العامة والدين، والدليل ان انخفاض نسبة الدين الى الناتج اخيرا تركزت على معادلة تكبير حجم الاقتصاد.
وهو يرى ان السياسات الاقتصادية في الاعوام القليلة الماضية باتت ترتكز على محورين: السياسات الاجتماعية والنمو. وهذا تجلى في الاهداف التي وضعت في برنامج الحكومة الى مؤتمر باريس3 والتي على اساسها تم طلب الدعم من الاسرة الدولية. ففي حين كان الهدف من باريس 2 خفض الدين وكلفته واطالة آجاله، كان الهدف من باريس3 يشمل الى موضوع الدين، المسألة الاجتماعية والنمو. من هنا خصص مليار و300 مليون دولار من تعهدات باريس3 لدعم القطاع الخاص فضلا عن اقرار اجراءات للمشاريع الاجتماعية.
اما على صعيد ادارة الدين العام فيقول الوزير السابق للمال ان اجراءات عدة اتخذت اهمها انشاء جهاز لادارة الدين العام وهيئة عليا لادارته وتطوير الادارة المؤسساتية للدين ومأسسة التنسيق بين السلطتين المالية والنقدية حول السياسات المتبعة، انشاء حساب الخزينة الموحد لتحسين ادارة السيولة ووضع ضوابط صارمة للمالية العامة على غرار اتفاقية ماستريشت.
لكن ازعور، قبل ان يختم حديثه، لا يغفل الاشارة الى المعوقات التي حالت دون تحقيق كل الاهداف المالية الموضوعة والاجراءات المواكبة لها. فالخصخصة لم تتحقق ومجموعة كبيرة من مشاريع القوانين والاجراءات المالية لم تقر والاصلاحات لم تطبق!

بيفاني
عن تقدم عملية الاصلاح في وزارة المال يقول المدير العام للوزارة آلان بيفاني ان هذه العملية اتخذت مسارات عدة وبمراحل متفاوتة على المحاور الآتية: الجمارك وقد بدأ المسار الاصلاحي فيه منتصف التسعينات، الشؤون العقارية وقد بدأ مطلع الالفين وكذلك الاصلاحات الضريبية التي بدأت مع اقرار الضريبة على القيمة المضافة، اصلاحات الخزينة والمحاسبة بدأت اخيرا وكانت سبقتها اصلاحات الدين العام التي بدأت مع اقرار القانون الجديد للدين العام علما ان اصلاحات الموازنة العامة كانت بدأت منذ 1999.
ما هي ابرز المحطات التي احدثت تغييرا مفصليا في حياة الادارة المالية والضريبية؟
يجيب بيفاني ان الانطلاق بدأ من الجمارك، ثم كانت الخطوة الابرز على مستوى الاصلاح الضريبي تمثلت باقرار الضريبة على القيمة المضافة واهميتها اعادة صياغة النظام الضريبي وارساء هيكلية جديدة للادارة الضريبية .
ويضيف: "لقد دخلنا في عملية التنظيم الضريبي على اساس المهمات وليس على اساس الضرائب، كما كان الامر في السابق. وقد شكل هذا الاصلاح المدخل الى المرحلة الثانية المتمثلة بتنظيم الوحدات الضريبية بحسب المهمات وليس بحسب الضرائب وهذا ادى الى العمل على هيكلية جديدة لكل الجهاز الضريبي ومن ثم بدأ العمل على الضريبة الموحدة للدخل وقد صدر خلال هذه المرحلة قانون الاجراءات الضريبية الذي يهدف الى توحيد الاجراءات. صحيح ان القانون لا يزال جديدا لكنه في اي حال موضع تقويم كأي قانون جديد وقابل لادخال بعض التعديلات اذا برزت ثغر عند التطبيق".
ويلفت بيفاني الى ان مشروع قانون الضريبة الموحدة على الدخل لا يزال ضمن عمل اللجنة الوزارية المكلفة درسه . ويصف هذا القانون انه مهم جدا خصوصا لجهة زيادة الشفافية حول المهل، كما انه يصحح مفهوم الضريبة على الدخل كون الدخل اليوم غير موحد وللمكلفين مداخيل مختلفة خاضعة لضرائب مختلفة ومتفاوتة والنظام الحالي المطبق اليوم غير عادل بقطع النظر عن كونه معقدا ويتضمن تناقضا في الضرائب.
ويضيف بيفاني في سياق تعداده لمراحل تقدم العمل، "خلق جهاز خدمات المكلفين لتسهيل امور الناس، وانشاء الخط الساخن لتلقي الشكاوى والمراجعات والخدمات البريدية لتسهيل التواصل مع الادارات وتخفيف الاجراءات الادارية والقيود. كما تم ارساء اعتماد اجهزة الدفع عبر المصارف ووضع معايير لدرس الملفات على اساس تقويم المخاطر وهذا أمر مهم جدا كون الامر كان استنسابيا في السابق ويميّز بين الدرس الميداني والدرس الموجه او الشامل وباتت هناك معايير انتاجية داخلية لقياس فاعلية العمل.

"نفضة" ملفات
ويشير الى أن "ثمة نفضة" لملفات الاعتراضات التي تعود الى أكثر من عشر سنوات وقد عدنا اليوم تقريبا الى المهلة القانونية اي الاشهر الستة. وقد أدخلنا مفهوما جديدا مؤداه انه مع تخطي المهلة نخسر الاعتراض اتوماتيكيا، واذا تأخرنا في الدفع تترتب علينا فوائد تأخير وقد باتت الادارة مع هذه التدابير تتعامل بدقة مع المهل. كذلك شهدنا عملا كبيرا على الازدواج الضريبي مع الدول.
أما بالنسبة الى الخدمات، فقد فتحنا المجال أمام السؤال الضريبي الملزم وتوسيع قاعدة المعلومات الضريبية واصبح هناك ربط مع مصادر المعلومات مثل الجمارك، الشؤون العقارية، الضمان والاجهزة الضامنة، والتعاونيات، وبعض البلديات. وباتت لدينا اليوم قاعدة معلومات مهمة.
ويقول إنه على صعيد الموازنة، كان يفترض ان يكون العمل أكبر ولكن عدم صدور القوانين العامة للموازنات اعاق التقدم على هذا المسار. انما لا يزال العمل جاريا على الموازنة، ولدينا قاعدة خبراء لتحليل الموازنة والنفقات واصبح هناك ربط معلوماتي مع الوزارات حول نظام الموازنة. كما أدخلنا مفهوم الشمولية على الموازنة عبر توسيع نطاقها فأدخلت مثلا نفقات الكهرباء والريجي وغيرها...".
ويشير بيفاني الى "ان الوزارة كانت في صدد الغاء التدوير لكن الامر لم يحصل".
ويزيد: "على صعيد الخزينة، تم فصل الدين العام عن الخزينة وانفصل بالتالي التحصيل عنها وألحق بالواردات وتم انشاء ادارة للسيولة في مديرية الخزينة، كما انشئت مديرية جديدة لادارة الدين العام. ولدينا مشروع مع البنك الدولي من اجل نظام الموازنة وتنفيذها وادارة الدين العام والمساعدات، وجزء من المشروع يتعلق بالتنظيم العملي لمهمات الادارة الجديدة للدين العام، علما انه تم انشاء هيئة عليا لادارة الدين برئاسة وزير المال وهذه الهيئة لها سلطة في ادارة الدين ومؤثرة في عمل الادارة".
ويكشف في جانب آخر ان "ثمة ورشة حاليا لحسابات المالية العامة المتأخرة فضلا عن ان العمل جار من أجل ارساء مشروع التصريح الالكتروني والدفع الالكتروني خلال الاشهر القليلة المقبلة".

معوقات الإصلاح
ما هي ابرز المعوقات التي تواجه المسار الاصلاحي؟
يرى بيفاني "ان المشكلة الاساسية بالنسبة الى الاصلاح هي عدم توافر اقتناع وطني جامع حول تفاصيل البرنامج الاصلاحي. فنرى البعض يوجه الانتقادات لعدم الرضى او لعدم الفهم او ان هذا الامر يجعل الحكومة تتباطأ في اصدار النصوص او يجعل مجلس النواب يتباطأ في اصدار القوانين".
واذ يرفض بيفاني تحميل المسؤولية لأحد يجد "ان هذا الواقع يقود تلقائيا الى الحاجة الى قنوات نقاش طبيعية وعلمية بحيث يساعد على دفع العملية الاصلاحية نحو الامام".

صندوق النقد
ولأن العملية الاصلاحية في لبنان لم تغب عن عيون المجتمع الدولي وخصوصا انها كانت شرطا اساسيا لتقديم الدعم من الدول المانحة للبنان، فقد رافقت المؤسسات الدولية والصناديق العربية والدولية لبنان في هذا المسار، وفي مقدم هؤلاء صندوق النقد الدولي اولا من خلال البعثات الدورية ومن ثم من خلال برنامج المساعدات "ايبكا" الذي أقر بعد عدوان تموز.
ومن موقف متحفظ ومتشدد حيال السياسات المالية والاقتصادية والتنبيه المستمر الى مخاطر تنامي الدين العام والعجز المالي، وهو موقف دفع الصندوق، الى التوصية أكثر من مرة بضرورة الاستغناء عن سياسة الاستقرار النقدي المكلفة والتوجه نحو تحرير الصرف الى موقف أكثر تفهما للوضع اللبناني من دون ان يعني ذلك تراجعا عن التحذيرات الدائمة في شأن التحديات الكبرى والاولويات التي تواجه النظام المالي والاقتصادي والتي يعيد التقرير الاخير للصندوق التشديد عليها ويلخصها بثلاثة:
1 - تداعيات الازمة المالية العالمية والتباطؤ الاقتصادي في دول الخليج الذي سيؤثر على تدفق رؤوس الاموال والنشاط الاقتصادي.
2 - التمويل الحكومي الذي سيكون اصعب حتى وإن توافرت السيولة الكافية للمصارف التجارية لاحتواء اي توسع للدين العام الوارد في الموازنة لجهة التوسع في الانفاق والارتفاع في معدلات الفوائد على الدين الحكومي، او نتيجة تباطؤ تدفق الودائع مما قد يعقد التمويل الحكومي ويتطلب اعداد خطط بديلة.
3 - ان لبنان يبقى عرضة للصدمات السياسية والامنية التي تؤثر على الظروف الاقتصادية والمالية.
ويرى الصندوق انه في غياب اي استراتيجية طموحة لخفض الدين سيبقى لبنان هشا امام الصدمات لسنوات عدة. ويتوقع الصندوق ان يسجل الناتج نموا بنسبة 3 في المئة هذه السنة و4 في المئة في 2010 و2011 و4،5 في المئة في 2012 و2013 و2014.

سابين عويس
(ملاحظة ان الآراء الواردة في هذا البحث مسؤولة عنها محررته ولا تعكس بالضرورة آراء المفوضية الأوروبية. )