الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية تكرم طلال سلمان

تحول التكريم الذي نظمته الهيئة الوطنية الصحية الإجتماعية، لناشر جريدة «السفير» طلال سلمان، مساء أمس الأول، في مركز جمعية خريجي الجامعة الأميركية في كليمنصو، إلى مناسبة لتطرح هذه الجمعية المتقدمة والرائدة في العمل الصحي الاجتماعي الجامع، بعيداً من أي تمييز بين المواطنين، عشرات الأسئلة عن مفهوم الصحة وحال هذا القطاع في لبنان. وذلك بالإضافة إلى علاقته بالإعلام، والآلية الفضلى لتعميق التعاون بين القطاعين، وتفعيل النقاش بما فيه من مردود إيجابي على الصحة في لبنان.
حضر الاحتفال النائب وليد سكرية، والنائب السابق إسماعيل سكرية، ونقيب الصحافة محمد بعلبكي، ونقيبا الصيادلة السابقين ليلى خوري وزياد نصور، وجمع من الأطباء وأعضاء الهيئة والفعاليات. واعتبر رئيس الهيئة، الدكتور إسماعيل سكرية، أن «المكرم بيننا اليوم، هو قيمة في علم الصحافة وميدانها، أكدها واستحقها عبر نصف قرن من الزمن من النضال بالفكر والقلم، هو الوطني المتحرر من قيود العصبيات وأمراضها، والعروبي عقلاً وقلباً ولحماً ودماً وحتى باللون، ومقاوم بحبر مزيجه الخاص، وفلسطيني ينزف قلمه حبراً ودماً حين تنزف فلسطين. صلب وعنيد خلف مبادئه والقناعات، وجداني الإنتماء، صادق وفيّ لأصدقائه، مركب من جبلة قروية، تنمو وتكبر وتعيش مع التحديات، لم تسقط إرادته رغم محاولة التصفية الجسدية، والرصاص في الوجه، وتفجير السيارة، إلى قصف جريدة «السفير». وهنا نصل إلى بيت القصيد: «السفير».
وتطرق سكرية إلى «التنوع السياسي الآمن والغني في الجريدة، تحت سقف ثوابت الإنتماء، ما يجعلك تشعر، عند انتهائك من قراءتها، أن هناك كلمة سر تحركت على كامل الصفحات راسمة الخطوط العريضة، كما الحمراء منها، سياسياً، اجتماعياً وثقافياً».
ثم تحدث سكرية عن «الموضوع الصحي، ومن باب علاقته بالإعلام تحديداً، وكيفية تعاطي الإعلام إزاء القضايا الصحية التي لا مجال فيها إلا للنطق بالحقائق العلمية معززة بقدر من الإرشاد والتوعية، لأن صحة الناس هي الميزان، وحيث نرى الكثير من أوجه الفلتان الإعلامي - الصحي». أضاف: «أستطيع أن أشهد للسفير أنها لم تقع في فخ الإغراء المادي للدعاية المغلوطة والمشبوهة على حساب صحة الناس، وبقي الهدف الأساس تنوير القارئ وتزويده بالمعلومات المفيدة، وبالتالي لم تتواطأ على جمهور الذين لا صوت لهم».
وتساءل سكرية: «أين يقع الخط الأحمر الذي تتوقف عنده المتطلبات المادية لأي وسيلة إعلامية، حين يتعلق الموضوع بصحة الناس، والذي يتحرك الضمير عند حدوده؟»، مديناً «الأرقام المالية الخيالية التي تدفع لبعض الإعلام، مقابل قتل الناس، إما بالتراكم أو مباشرة، وبالترويج لبعض الأعشاب التي يُدّعى أنها تشفي كل الأمراض...».
وختم سكرية بالقول «لمن يرى كلامي هذا قاسي الوقع، فإني أؤكد له أن ما يرتكب من الخطايا والكبائر والانتهاكات لصحة الناس ومالها العام بات يشكل وجهاً للعدوان اليومي، والمستمر على صحة الناس وقدراتها المعيشية. ولا علاقة له بشكل الحكومة».
بدوره انطلق أحد مؤسسي الهيئة، وعميد كلية الصحة في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور إيمان نويهض، من «ذكرى تعود إلى 35 سنة خلت، إذ أذكر أنه في يوم من أيام العام 1974، أخبرنا أخي وليد نويهض عن مشروع جريدة سياسية يومية ستنطلق قريباً، وما علق في ذهني آنذاك إني استغربت تماماً الإقتراح لتسميتها «السفير»: معقول جريدة اسمها السفير؟... واليوم وبعد 35 سنة أقول: معقول ما في جريدة اسمها «السفير»؟ وأكرر تهاني لكم أستاذ طلال بنجاحكم في تحويل الحلم إلى حقيقة». وتطرق نويهض إلى ما اسماه «موضوعاً بحثياً طويلاً ومعقداً ومتشابكاً وهو موضوع الإعلام والصحة، وذلك لأن الإعلام له فروع عديدة أبسطها توزعه بين المكتوب والمسموع والمرئي».
ثم انتقل نويهض إلى التفصيل في «مفهوم الصحة»، معتبراً أنه «في يومنا هذا ما زال التعاطي مع الصحة بشكل عام - في الإعلام أو حتى الهيئات السياسية ـ هو من منطلق علاجي طبابي. فنرى التغطية الإعلامية غالباً ما تركز على مشاكل استقبال المراكز الصحية للمرضى، والتأمين الصحي، وتأمين العلاج. بينما إذا تمعّنا في مؤثرات ومحددات الصحة نجدنا في موقع آخر. نجد أنفسنا تحديداً نتكلم عن حق الانسان في الصحة وفي الرعاية الصحية - انتبهوا إلى الفرق - نجدنا نتحدث أيضاً عن التكاليف واستخدام الضرائب والاحتكارات وحق المواطن وتأثير الشركات العالمية المتعددة الجنسيات وتأثير العولمة وإلى ما هنالك، باختصار نتحدث عن المحددات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للصحة».
وتساءل نويهض: «ماذا يمكن لوسائل الإعلام، مثلاً جريدة «السفير»، والجمعيات الأهلية مثل الهيئة الصحية الوطنية الاجتماعية، والجامعات مثل الجامعة الأميركية أو كليتنا «كلية العلوم الصحية»، أن تفعل لتفعيل وتعميق النقاش حول الصحة؟ هل هناك من مجال للتعاون بين هذه الأطراف؟ وأقترح كخطوة أولى أن تقام ندوة أكاديمية لعرض ونقاش هذه العلاقة. لعل الهيئة وجريدة «السفير» يمكنهما التحرك في هذا الاتجاه، وكليّتنا، مع كليات أخرى، ستكون مستعدة للمشاركة».
بدوره قال سلمان في كلمة توجه بها إلى الحضور: «شرف لي أن أكون هنا بينكم، أيها الكوكبة من الفدائيين الذين قرروا بوعيهم أن يتحدوا محاولات تفتيت هذا المجتمع وتمزيق الأواصر بين مكوناته، وأن يؤكدوا وحدته الثابتة، انطلاقاً من عاصمته الأميرة بيروت التي احترقت أكثر من مرة ولم ترفع الأعلام البيضاء، امتداداً إلى جهاته المختلفة الغائبة عن الذاكرة الرسمية، جبلاً وشمالاً وبقاعاً وصولاً إلى جنوب المواجهة والنصر الذي نحتفل بذكراه الثالثة، هذه الأيام». وقال: «لقد كنا في «السفير» على تلاق دائم مع الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية، مفترضين أن جهودنا تتكامل من أجل حماية وحدة وطننا الصغير الذي يفاجؤنا شعبه دائماً بأنه عملاق، متى تحرر من قيود الطبقة السياسية التي تريده كياناً لائتلاف الطوائف المحتربة، دائماً».
واعتبر أن الهيئة «تشق طريقها عبر الصعب، مقدمة نموذجاً رائداً في مجال العمل الصحي الاجتماعي بأفق وطني مفتوح، لا يقبل التمييز او التفريق بين المواطنين على قاعدة طائفية أو جهوية أو سياسية». وهذا، بحسب سلمان، «يعرضها إلى مواجهات دائمة مع هذا النظام الطوائفي الذي يريد الدولة مجرد خادم يعمل بالأجر لدى أمراء الطوائف والمذاهب، أبطال الحرب الأهلية، أمس واليوم وغداً».
وختم: «لا أستطيع الرد على مبادرتكم بتكريمي إلا بالتعهد بأن تكون «السفير» رفيق سلاح لكم، في جهدكم الممتاز لخدمة مجتمعنا هذا، الذي تستخدمه الطبقة السياسية لتحقيق أغراضها، ثم تتركه نهباً لخلافاتها، محروماً من الخدمات الضرورية التي من حقه أن يحظى بها، لو أن الدولة كانت دولته».