عمان ـ خليل رضوان
منذ 35 عاما، ومع إطلالة كل فجر يعتقد آدم الذي حكمت عليه السلطة القضائية الأردنية بالإعدام عام 1974، أن موعده مع "الموت" قد حان، ليصبح "الموت" زائرا قد يفاجئه في أي يوم.
لكن "آدم" المتهم بقضية تجسس لمصلحة إسرائيل، بدأ مع مرور الوقت يتجاوز الرهبة والخوف من الموت حال سماعه أي حركة في ساعات "الفجر" وهو موعد تنفيذ أحكام الإعدام.
وتتشابه حال ذلك الرجل السبعيني الذي أطلق علية اسم "آدم" لأسباب اجتماعية، مع كثير من الحالات التي صدرت بحقهم أحكام الإعدام البالغة نحو 58 حكماً منذ عام 2000، اشهرها حكم الإعدام بحق العراقية ساجدة الريشاوي، واحدة من منفذي تفجيرات فنادق عمان في 2006.
ويشهد الأردن جدلا اجتماعيا وقانونيا إزاء عقوبة الإعدام، فالبعض يطالب بإلغاء العقوبة، باعتبارها اعتداء على حق من حقوق الإنسان وهو الحياة، فيما يطالب محافظون وعلماء دين بالإبقاء عليها، بحجة التخوف من اتساع الجرائم، وعودة ثقافة الثأر بين أوساط المجتمع.
وتقول المدير التنفيذي لمجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان "ميزان" ايفا أبو حلاوة إنها "ضد عقوبة الإعدام، باعتبارها اعتداء على حق الإنسان في الحياة، إلى جانب إنها تخالف العديد من البرتوكولات وقرارات الأمم المتحدة الداعية إلى إلغاء العقوبة.
وأوضحت أن هنالك مؤسسات المجتمع المدني التي تضغط باتجاه تخفيض عدد الحالات الجرمية التي يعاقب عليها القانون بالإعدام، تمهيدا لإلغاء العقوبة من القوانين الأردنية. واعتبرت أن ثمة مآخذ على الإجراءات التنفيذية، لجهة عدم تحديد أوقات تنفيذ عقوبة الإعدام، الأمر الذي يلحق أضرارا نفسية وجسدية وعقلية بالمحكومين..
ويزيد عدد الأفعال التي يعاقب عليها قانون العقوبات الأردني بالإعدام عن ثلاثين فعلا من بينها التجسس والقتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، إلا أن الأردن ادخل مؤخرا تعديلا على قانون العقوبات، وخفض من عدد الافعال الجرمية التي يعاقب عليها القانون بالاعدام، إذ استبدل هذه العقوبة "بالأشغال الشاقة المؤبدة" لبعض الجرائم من بينها المخدرات.
ويعتبر مناهضو عقوبة الاعدام أن هذه العقوبة أبشع من جريمة القتل، ويقولون إن المطالبة بالغائها ليس للدفاع عن مرتكبي الجرائم، بل لمنع معالجة الجريمة بجريمة أقسى وأبشع، وأنه لا توجد أي علاقة بين تطبيق عقوبة الإعدام والتقليل من عدد الجرائم وأن تطبيق هذه العقوبة يشجع على الانتقام، وهو ما يؤيده المحامي يعقوب الفار الذي يضيف أن الغاء الاعدام نهائيا يعتبر مطلبا دوليا يتفق مع الاحكام والقوانين الوضعية.
وفي المقابل، يرى مؤيدو الاعدام أن هذه العقوبة الصارمة تردع الآخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة وأنها من العقوبات التي شرعها الاسلام والغاؤها فيه مساس بالعقيدة والدين وهو ما يذهب إليه نقيب المحامين السابق المحامي صالح العرموطي الذي يؤيد الغاء عقوبة الاعدام في كل الجرائم باستثناء القتل والاغتصاب.
إلا أن أبو حلاوة تقول أن هنالك دراسات أثبتت ان لا تأثير على إلغاء عقوبة الإعدام وارتفاع الجريمة، مدللة على ذلك بأن من يرتكب فعلا يعاقب عليه القانون بالإعدام لا يفكر بالعقوبة أصلا عند ارتكابه الفعل.
وتأخذ عقوبة الإعدام جدلا فقهيا في البلاد كون دين الدولة هو الإسلام، اذ يؤكد علماء الشريعة "أن الإسلام شرع القصاص العادل من أجل حفظ الأمن والاستقرار في المجتمعات البشرية وصيانة حقوق الإنسان وحمايتها". ويواجه هؤلاء حجج الحفاظ على حقوق الإنسان، بضرورة حفظ الدماء وحفظ حق القتيل وأسرته.
وترى المحامية ابو حلاوة ان الغاء عقوبة الاعدام لا تتعارض مع أحكام الشريعة، كون غالبية عقوبات الإعدام تتضمنها قوانين وضعية، التي تطبقها الدولة.
وكانت الحكومة الاردنية التي اوقفت منذ منتصف 2006 تنفيذ اي حكم بالاعدام، قد أعدت اخيرا مشروع قانون معدل للقانون يلغي أحكام الاعدام في ست من مواده.
واعتبر البعض هذه الإجراءات توجها رسميا نحو الغاء العقوبة نهائيا في الاردن على الرغم من التأكيد الحكومي أن تخفيف العقوبة في بعض المواد القانونية لا يعني الغاء لها، وأن جرائم القتل العمد والاغتصاب ستبقى عقوبتها الإعدام ولن يطالها التعديل،
إلا أن مؤيدي إلغاء العقوبة ومعارضيها يرون على السواء أن هذه الخطوات توجه نحو الالغاء على مراحل.
وتقول رئيسة وحدة مراكز الاصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الانسان المحامية نسرين زريقات "إن التعديلات المقترحة على قانون العقوبات تحسن من صورة الاردن وتترجم التزامه بما وقع عليه من اتفاقات دولية كما توطن الاحكام الواردة في هذه الاتفاقات في نطاق التشريعات الوطنية".
وتعتبر زريقات أن امتناع الاردن عن تنفيذ احكام الاعدام منذ 3 سنوات تقريبا يعزز التوجه لالغاء هذه العقوبة، خصوصا وأن المواد المقترح تعديلها لم يتم تفعليها خلال عشرات السنين ولم تصدر وفقها اي احكام بالاعدام.
ونفذ في الأردن 51 حكما بالإعدام من أصل 108 أحكام منذ عام 2000 وحتى 2006، فيما يقبع 58 محكوما بالإعدام، بينهم سيدتان، بانتظار تنفيذ العقوبة التي أوقفت من دون قرار رسمي بذلك.
وسجل عام 2002 رقما قياسيا في تنفيذ احكام بالإعدام وصل إلى 12 حكما.
ويعد عام 2006 أكثر الأعوام التي شهدت إصدار احكام بالإعدام بلغت 23 حكما وجاهيا و17غيابيا.
وتضغط منظمة العفو الدولية على الحكومة الأردنية من اجل وقف جميع عمليات الإعدام، وإلى التسابق مع ما تسعى إليه الحركة الدولية لوضع حد لعقوبة الإعدام، وتحث الحكومة على إعلان حظر تام على تنفيذ أحكام الإعدام في انتظار إلغاء العقوبة.
يذكر أن الأردن امتنع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة العام الماضي 2008 الذي يدعو دول العالم إلى تعليق عقوبة الإعدام. واعتبر ناشطو حقوق الإنسان هذه الخطوة ايجابية بعدما كان الأردن صوت ضد القرار عند عرضه للمرة الأولى على الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2007.
ويرى مراقبون ان تعليق تنفيذ أحكام الاعدام "غير المعلن" في المملكة جاء استجابة غير مباشرة لمطالب المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، لكنة لم يأخذ صفة تشريعية الا بحدود تقنيين الجرائم التي يطاولها الاعدام، بسبب ضغوطات اجتماعية.
وعلى الرغم من أنه لم يسجل في الأردن منذ نشأته أي حال إعدام لأسباب سياسية، الا ان إلغاء أو إبقاء العقوبة ستبقى مثار سؤال مفتوح برسم الايجابية في المجتمع الأردني.