بعد اطمئنانه إلى تكريس الانتخابات النيابية الأخيرة لزعامته الشمالية، ينطلق رئيس تيار المردة، النائب سليمان فرنجية، نحو هدف جديد هو نشر زعامته في جبل لبنان، رغم التجارب المريرة السابقة للشماليين في جبل لبنان
غسان سعود
في موازاة عودة المياه إلى مجاريها بين بنشعي وبكفيا، يستعدّ رئيس المردة، النائب سليمان فرنجية، للانتقال مطلع الأسبوع المقبل إلى المتن ليستقر في بلدة الرابية التي تمثّل نقطة الاستقطاب السكني الرئيسية لمعظم السياسيين الوافدين إلى جبل لبنان. وتتزامن «النقلة» مع إعادة فرنجية هيكلة اللجنة المركزية في المردة لتواكب بفعّالية أكبر مقتضيات المرحلة التي يبدو عنوانها الرئيسي، بالنسبة إلى المردة: التوسع في جبل لبنان.
■ حلم الرئيس فرنجية يتحقق
المسؤولون في تيار المردة ينظرون بإيجابية إلى نتائج الانتخابات الأخيرة بالنسبة إلى المردة. يروون أمثلة كثيرة عن مبالغ خيالية دُفعت عبثاً في زغرتا لإسقاط أحد المرشحين على لائحة فرنجية، وصمود شعبي كبير في الكورة رغم المال السياسي والتجييش المذهبي، و«انتصار» في عكار على المستوى المسيحي. لكنهم لا يسكرون كثيراً، إذ غالباً ما يختمون الحديث الانتخابي بالتأكيد أن 7 حزيران مثّل مناسبة لأخذ عبر جدية لا بدَّ من درسها بالتفصيل استعداداً للمستقبل، وخصوصاً أنه في كل انتخابات مقبلة سيكون هناك مال، وسيكون ثمة تجييش مذهبي. ويشير المسؤولون في المردة إلى أن تيارهم أثبت حضوراً أساسياً في زغرتا والكورة وعكار وطرابلس، حيث كان له مرشحون، وأكدوا امتلاك حيثيّة فاعلة انتخابياً جداً في البترون وبشري.
ويشرح هنا أحد المسؤولين في المردة أن الهيكلية التنظيمية لتيّارهم في الشمال مرنة جداً:
سبق للرئيس سليمان فرنجية أن طلب من المؤرخ جواد بولس والوزير السابق شارل مالك والنائب السابق إدوار حنين إعداد مبادئ لحزب رأى من الضروري تأسيسه، لكنه لم يمضِ في فكرته إلى آخر الطريق، واستعيض عنه، يومئذ، بـ«الجبهة الوطنية الشمالية». ولاحقاً، أُسّس «لواء المردة» عام 1976، وكان ذلك الحجر الأساس لمؤسسة المردة التي أعلن النائب فرنجية تأسيسها في 25/10/1990. ومذّاك بدأ مأسسة العمل السياسي بطريقة بطيئة، لكن متواصلة. وهو منذ البداية كان واضحاً وصريحاً في الموازنة بين السعي إلى تنظيم الحالة الشعبية ضمن حزب، واحترام الإقطاع العائلي والمناطقي الذي هو أحد مكوناته. واعتمد فرنجية على مجموعة من الشباب كبروا معه في السياسة (وهم اليوم يكوّنون فريق عمل) وحافظوا على التزامهم بدقة بتوجيهاته من دون أن يحدّ ذلك من قدرتهم على المبادرة (حتى الآن لا أحد يعرف الهوية الحقيقية للمَرَدي الذي طبخ التفاهم الأخير بين المردة والكتائب)، وجهّز فرنجية ماكينة انتخابية هي اليوم الأهم في الشمال، سواء أكان من حيث خزان المعلومات الذي تملكه، أم لناحية المرونة في التواصل مع الناس. وفي موازاة ذلك، اختار فرنجية مجموعة صغيرة في كل بلدة تقريباً في زغرتا والكورة والبترون وبشري لتدبير شؤون أنصاره ومتابعة أوضاعهم. وقد ارتكز العمل المَرَدي في المرحلة السابقة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري على الخدمات أساساً، مع توفير غطاء معنوي أمني وقضائي للأنصار. وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي الداعم السياسي ـــــ الفكري لأنصار المردة في تلك البلدات بوجه خصومهم والمشككين في المواقف السياسية لفرنجية. وفي تلك المرحلة، رغم دعم النظام السوري الكبير لفرنجية، لم يحاول زعيم المردة الخروج من الشمال إلى كل لبنان. لماذا؟ لأن ظروف التركيبة السياسية وتقاسم السلطة لم يسمحا بذلك. يقول أحد المرديين: «لأن فرنجية عرف كيف يراعي الرأي العام المسيحي الذي كان سيعتبر أن السوريين يحاولون أن يملأوا عبره الفراغ الذي أوجدوه في جبل لبنان على مستوى الزعامات المسيحية. والأهم، لأن الواقعية السياسية والشعبية لدى فرنجية كانت تحثّه على التواضع في تحديد دوره».
■ الوصول إلى جبل لبنان
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يقول المسؤول الإعلامي في تيار المردة المحامي سليمان فرنجية: «تعرض النائب فرنجية لهجوم كبير، وفي 19 حزيران 2005 (انتخابات الشمال) اجتهد العالم كله ليخسر فرنجية المعركة ويفوز التحالف الرباعي بالأكثرية». لكن حصل ردّ فعل عكسي لدى الناخبين، فحافظ فرنجية على عدد الأصوات ذاته في الأقلام السنية وحصد أكبر عدد من الأصوات في الأقلام المسيحية في كل لبنان في تلك الدورة. ومن يومها، بعد التحالف مع التيار الوطني الحر، بدأ الإعداد لإطلاق تيار المردة، في 11 حزيران 2006. ويشير المسؤول الإعلامي إلى أن أبو طوني «يقرأ الواقع بدقّة، يحدد قدراته، يضع العناوين السياسية والتنظيمية للمرحلة، ويبدأ العمل لتحقيق هذه العناوين. وهكذا وجد الوقت مناسباً للتوسع، وفتح آفاقاً جديدة أمام الزعامة الزغرتاوية ـــــ الشمالية. وكما في الشمال، كذلك في جبل لبنان، حرص زعيم المردة على اختيار مسؤولين من أبناء المناطق المنويّ دخولها، لا مآخذ سياسية من أبناء منطقتهم عليهم».
وبدأ جسّ نبض الرأي العام عبر افتتاح المكاتب وملاحظة تفاعل الناس معها. ووفق المسؤول الإعلامي في المردة، يبلغ عدد المنتسبين إلى المردة في كسروان مثلاً نحو ألف، معظمهم كان يؤيد فرنجية منذ سنوات، لكن زعيم المردة لم يكن يعرف بوجودهم. وبعد افتتاح المكاتب، تكثّفت بعيداً عن الأضواء الاجتماعات واللقاءات الشعبية في البلدات في جبيل والمتن وكسروان وبعبدا. ويشرح المسؤول الإعلامي أن رئيس المردة استفاد من 4 عوامل في دخوله إلى جبل لبنان:
1ـــــ خلوّ تاريخه من الممارسات الميليشياوية، وعدم تعرض أحد في جبل لبنان لإساءة من المردة.
2ـــــ تجمّع عوامل عدّة سهلت تفاعل جزء كبير من الرأي العام في جبل لبنان بإيجابية مع خطاب فرنجية السياسي.
3ـــــ وجود مواطنين كثر استفادوا من خدمات فرنجية خلال توليه وزارات خدماتية، وحماسة هؤلاء لمواكبة انطلاقة فرنجية في جبل لبنان.
4ـــــ علاقة فرنجية المتينة مع التيار الوطني الحر من جهة، وعدم وجود توتر بين المردة والكتائب من جهة أخرى. علماً بأن الوطني الحر والكتائب هما القوتان الأساسيتان في جبل لبنان.
■ الكتائب هو الأصل
اللافت للانتباه أن حزب الكتائب، لا التيار الوطني الحر، هو الذي مثّل الرافد الأساسي لحزب المردة في جبل لبنان. فبعدما فشلت المصالحة الكتائبيّة، وقرر الرئيس السابق للكتائب، كريم بقرادوني، الاستقالة، «هندس» مع الوزير فرنجية انتقال الكتائبيين غير المنسجمين مع أداء النائب سامي الجميل إلى حزب المردة. وفي بعبدا مثلاً، انتقل نائب الأمين العام سابقاً في حزب الكتائب بيار بعقليني من رئيس إقليم بعبدا في الكتائب إلى رئيس هيئة بعبدا في المردة. واستفاد الأخير من خبرته الحزبيّة القديمة ليؤسس نواة حالة جدية في بعبدا كان أول ملامحها، عشية الانتخابات، رفد ماكينة المعارضة بنحو 170 مندوباً ثابتاً و300 مندوب جوّال، إضافة إلى بناء خزان معلومات كبير كان الأساس بالنسبة إلى ماكينة المعارضة. ويواظب المرديون في بعبدا على تقديم عدد من الخدمات، وخصوصاً في القرى الجبلية في بعبدا. وفي مكتبه في الحازمية، يبدو بعقليني مرتاحاً جداً قبالة عشرات طلبات الانتساب التي ترده يومياً، التي تشير أعمار مقدميها إلى أن معظمهم جامعيون. ويبدو واضحاً أن بعقليني يقتبس الكثير من «المدرسة الكتائبية. فهو يخبر سريعاً عمّا يسميه نشاطات اجتماعية وتثقيفية وتجهيز كوادر لتسلّم المهمات الحزبية في جبل لبنان». ويرى بعقليني أن المردة بات يمثّل حاجة بالنسبة إلى أهالي جبل لبنان، لكونه قد عرف كيف ينشئ إطاراً للعمل السياسي المنفتح على الجميع، رافعاً شعار «الصدقية أولاً»، من دون ادعاء بطولات كاذبة ودون أن يقبل أن يهمّش نفسه.
ويشرح المسؤول الإعلامي، فرنجية، أن الانتخابات النيابية كان يمكن أن تساعد على تحديد حجم أنصار المردة اليوم في جبل لبنان، لكنهم تجنبوا خوض الانتخابات في هذه الدورة نتيجة اتفاق مع العماد ميشال عون الذي يحرص رئيس المردة على تنسيق كل خطواته في جبل لبنان معه. ويشير فرنجية إلى أن زعيم المردة لم يخض تجربة وفشل فيها، لأنه يدرس الأمور بدقّة، قبل اتخاذ أي قرار. وهو يعرف جيداً كيف يفكر المسيحي، ويحترم خصوصيات كل فريق سياسي، ما يصعّب على الآخرين إغلاق الأبواب في وجهه.
مواجهة غسل الأدمغة
يروي المرديّون أنهم حين بدأوا التواصل شعبياً مع أهالي جبل لبنان، اكتشفوا أن ثمة غسل دماغ للمواطنين يديره أحد الأحزاب وتعززه وسائل إعلامية عدّة كالترداد الإعلامي الببغائي بأن «فرنجية حليف سوريا الأول في لبنان»، ما دفع المرديين إلى بذل جهد لإقناع الناس بأن فرنجية استخدم علاقته المتينة بالسوريين لتعزيز وضع أبناء منطقته، لا استعبادهم كما فعل غيره. ويؤكد تيار المردة أن من مشاريعه الحالية استحداث وسائل إعلامية حزبية، وثمة اكتفاء بتعزيز العلاقات مع المؤسسات الإعلامية الموجودة. والأولوية: احترام المؤسسات الإعلامية، وعدم التعرض لها كلامياً مهما جرّحت بتيار المردة.