الدولة منزوعة السلاح في نقاش فلسطيني إسرائيلي غير رسمي!

كتب محرر الشؤون الإسرائيلية:
رغم أن تشكيل بنيامين نتنياهو حكومته اليمينية عنى لدى الكثيرين موت أو تجميد العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن رواد اتفاق جنيف لا يزالون يعملون من خلف الكواليس لعرض مسودة اتفاق نهائي مقبول من الطرفين.
وقد اعلن المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، امس، ان وثيقة جديدة للمبادرين الى «اتفاق جنيف» انتهى إعدادها قبل أسبوعين وهي بمثابة الملحق الأمني التفصيلي للاتفاق النهائي (الافتراضي).
وأشار المراسل إلى أن هذه الوثيقة عرضت ونوقشت بشكل دقيق في وزارة الدفاع الأميركية وفي عدد من وزارات الخارجية بينها فرنسا ومصر وبريطانيا والأردن. وكتب أن مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال جيم جونز وضع في صورة الوثيقة وأن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ستتسلمها هذا الأسبوع.
وتشير الوثيقة إلى ثلاث طرق يمكن للإسرائيليين سلوكها داخل الأراضي الفلسطينية من دون الحاجة إلى إذن، ولكن ليس بوسع الفلسطينيين استخدام هذه الطرق ذاتها لدخول إسرائيل، حيث عليهم المرور بمعابر حدودية ثابتة وعرض جوازات سفرهم. وتفصل الوثيقة سبل وصول الفلسطيني إلى البلدة القديمة في القدس المحتلة التي ستنتشر فيها قوة دولية.
ويؤكد فيشمان أن الوثيقة هذه هي محصلة نقاش إسرائيلي فلسطيني غير رسمي لترجمة مفهوم الدولة المنزوعة السلاح. ويضم الطاقم الفلسطيني أشخاصا مثل سميح العبد وياسر عبد ربه، فيما يضم الطاقم الإسرائيلي أشخاصا سبق لهم أن أدوا الخدمة العسكرية برتب عالية، مثل العميد شلومو بروم الذي يعمل باحثا في مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب. وكذلك هناك العميدان احتياط إيلان باز ودوف تسيدكا والجنرال شاؤوا أرييلي. وشارك في المباحثات الأمنية هذه الجنرال جون دفوريل الذي خدم في إطار الطاقم الأميركي ـ البريطاني ـ الكندي الذي قدم المساعدة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
وبحسب العميد بروم، فإن «العنصر الاول في الملحق هو مبدأ نزع السلاح. هنا كان يجب علينا ان نحاول تربيع الدائرة. من جهة إتاحة المجال للسلطة للاحتفاظ بقوات ذات فعالية كافية لأداء المهمات الامنية الداخلية الخاصة بها، ومن ناحية اخرى الحرص على الا تشكل هذه القوات تهديدا عسكريا تقليديا لإسرائيل. عموما، نقطة الانطلاق بالنسبة لنا كانت تجنب ان يكون وضع اسرائيل الأمني بعد التسوية الدائمة اقل جودة ومسألة لا يمكن تغييرها».
ولا تحدد الوثيقة حجم القوة الفلسطينية ولا كمية السلاح الشخصي الذي تمتلكه، لكنها تفصل بصورة دقيقة ما الذي يحظر على الفلسطينيين الاحتفاظ به: دبابات، وصواريخ، وسلاح مضاد للطائرات، وأدوات إبحار، ومدفعية من كل نوع كان، وراجمات وألغام ورشاشات تزيد على 7,62 مليمترات، وسلاح إشعاعي آخر، ومروحيات قتالية، وطائرات حربية، وطائرات من دون طيار، وأدوات إبحار مسلحة (باستثناء القوارب الخفيفة حتى 25 طن المزودة بسلاح خفيف) وأسلحة الدمار الشامل. وستكون بأيدي القوات الفلسطينية 400 آلية خفيفة وتحمل أنواع السلاح المباحة فقط: سلاح خفيف ووسائل باردة لتفريق التظاهرات.
وأشار فيشمان إلى أنه خلال المفاوضات، ادعى الفلسطينيون انهم يحتاجون الى قاذفات الـ «أر بي جي» في حالة نشوب صدام مع «جهات إرهابية» وكذلك الى مواد ناسفة وقنابل يدوية. واتفق الجانبان كان أن تكون القنابل والمواد الناسفة والأسلحة المخترقة لمدرعات والتي لا تعتبر صواريخ مضادة للدبابات بأيدي القوات المتعددة الجنسيات. كلما أراد الفلسطينيون تنفيذ قتال هجومي ضد «الارهاب»، سيتوجهون لطلب هذا السلاح من القوات المتعددة الجنسيات.
الملحق يقرر أن القوات الوحيدة التي سيحق لها حمل السلاح في الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح هي الشرطة والشرطة البحرية وقوات الامن الوطني وجهاز الامن الداخلي وحرس الحدود وأجهزة الاستخبارات. وبقية الأجهزة التي تحمل السلاح الآن ستتخلى عنه.
الا ان الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح التي يخطط لها، تطرح على الجانب الاسرائيلي معضلة. ويقول اللواء احتياط اريئيلي «ليست هناك دولة في العالم منزوعة السلاح سوى كوستاريكا. هناك مناطق منزوعة السلاح مثل سيناء غير ان أحدا لا يعرف كيف تدار دولة منزوعة السلاح». ولتخفيض مستوى الارتياب بين الجانبين وبلورة تعاون، كان ضروريا إدخال طرف امني ثالث للمعادلة. الجنرال جيمس جونز الذي تواجد في المنطقة بتكليف من الرئيس الاميركي السابق جورج بوش قبل عام ونصف العام، اقترح في حينه جلب قوات حلف الاطلسي.
الحل المطروح في ملحق جنيف ليس قوات حلف الاطلسي تحديدا وانما قوة دولية متعددة الجنسيات ومسلحة بحيث تكون مكونة من أربع كتائب ويبلغ تعدادها 3000 مقاتل مسلح من دول تتفق اسرائيل والفلسطينيين عليها. إحدى الكتائب على الأقل ستأتي من دولة عربية او إسلامية ـ تركيا او مصر مثلا ـ القصد هو ان تأتي كل الكتائب من دول يمكن لوجودها ان يردع أطرافا خارجية تسعى لعرقلة الاتفاق وكذلك ان حاول الجانبان التذاكي والتحايل.
احد السيناريوهات المخيفة بالنسبة للإسرائيليين هو حدوث انقلاب في الاردن ودخول فرقتين أردنيتين للضفة. القوة المتعددة الجنسيات ليست معدة لمواجهة فرق مدرعة لكن من يرسل قوات كهذه الى المنطقة ملزم بان يأخذ إمكانية التصادم مع اميركا وفرنسا وروسيا وايطاليا او اي دولة اخرى تشارك في القوى الدولية، بالحسبان.
تقليل الخوف الاسرائيلي اكثر فأكثر من التطورات غير المتوقعة في الضفة كحدوث انقلاب داخلي مثلا، دفع الفلسطينيين بعد سجالات كثيرة الى الموافقة على ان تبقي اسرائيل في غور الاردن كتيبة من سلاح المشاة. الكتيبة التي ستنتشر في معسكر معاليه افرايم ستتضمن 800 مقاتل و 60 مجنزرة و 50 مدفعية مضادة للدبابات و100 قاذف صاروخي ضد الدبابات.
ويبدو ان ثلاث كتائب متعددة الجنسيات ستنتشر على امتداد الغور في مواجهة الاردن، وكتيبة واحدة على امتداد محور فيلادلفي في مواجهة مصر في غزة. وهذا بهدف منع التسلل والتهريبات وغيرها من الأحداث. وأكثر من ذلك، مواجهة المطلب الاسرائيلي بوجود عازل بين الدولة الفلسطينية والمملكة الهاشمية.
فوق القوة المتعددة الجنسيات، ستكون هناك لجان مشتركة للقوة من إسرائيليين وفلسطينيين. غرفة عمليات مشتركة للأطراف الثلاثة ستقام في القشلة في البلدة القديمة. لجان عسكرية أمنية عليا من الإسرائيليين والفلسطينيين ستنعقد هي الأخرى بصورة دائمة.
الحجر الاساسي الإضافي في الملحق هو الوجود الاسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح من خلال محطتي إنذار في باعل حتسور وجبل عيبال. وهذه المحطات ستكون مناطق اسرائيلية ذات استقلالية ذاتية. في باعل حتسور، سيكون هناك 150 جندي اختصاص و50 جنديا من اجل الحراسة، وفي جبل عيبال سيكون هناك 100 جندي و50 من كل نوع. في المحطة ذاتها، سيكون هناك ضابط ارتباط من القوة الدولية وضابط ارتباط فلسطيني وحول كل منشأة ستكون هناك سرية من القوة. اتفاق محطات الإنذار لعشر سنوات، لكن من الممكن تجديده بعد مرور خمس سنوات من التوقيع.
سلاح الجو الاسرائيلي يستطيع، وفقا للسيناريو، مواصلة التحليق من اجل التدريب فوق الضفة باستثناء ايام الجمعة والأعياد الاسلامية والمسيحية. التحليق تحت ارتفاع 8000 قدم واجتياز مسارات الجو المدنية، محظور. وسيكون للفلسطينيين الحق باستخدام مسارات الطيران المدنية فوق اسرائيل التي تستخدمها شركة الطيران الأردنية. وهذا الاتفاق ايضا قابل للدراسة مرة اخرى بعد عشر سنوات.
المشاركة الاسرائيلية في المعابر الحدودية بين الدولة الفلسطينية ومصر والأردن وفقا للملحق، ستتواصل. في نقاط العبور عند جسر اللنبي وآدم ورفح، سيكون هناك وجود إسرائيلي مباشر طوال 30 شهرا بعد التوقيع على الاتفاق، لكنه لن يكون ظاهرا للمسافرين. بعد ذلك، وطوال عامين آخرين، سيكون الوجود الاسرائيلي من خلال عدسات كاميرا في دائرة مغلقة. اتفاق المعابر يتضمن تفصيلا دقيقا مثل الوثيقة كلها حتى مستوى الزمن الذي ستعالج فيه كل شكوى. على سبيل المثال، ان لم تكن اسرائيل راضية عن شيء ما في معبر الشحنات، فستحظى بإمكانية منع شحنة، الى ان يجري المفتش الدولي توضيحا حولها. المفتش ذاته ملزم بإيجاد حل للشكوى الاسرائيلية خلال 12 ساعة.
ويفصل الملحق الأمني التعاون بين الجهات التي تطبق القانون عند الإسرائيليين والفلسطينيين وبين الجهات الاستخباراتية في الجانبين. الجداول الزمنية المعدة لتطبيق الاتفاق تظهر في مستهل الملحق الأمني. وهي كما هو متوقع تنزل الى تفاصيل التفاصيل في كل مرحلة يفترض بالاتفاق ان يطبق بصورة كاملة خلال 30 شهرا.
الأشهر الثلاثة السابقة للتوقيع على الاتفاق يجب ان تتضمن عمل خمس لجان مشتركة لإسرائيل والفلسطينيين والقوة الدولية من اجل مراقبة عملية التطبيق. وفي إطار ذلك، ستعمل لجنة استثنائية من اجل مكافحة الارهاب. بعد التوقيع على الاتفاق بنصف عام، تقوم القوة الدولية بنشر القيادة العليا في المنطقة.
حتى 9 أشهر من التوقيع، سينتهي ترسيم الحدود بين الدولتين، ونشر القوات الاولى من القوة المتعددة الجنسيات، واستكمال الاتفاق حول محطات الإنذار، والمرحلة الاولى من الانسحاب الاسرائيلي من الضفة، وتشكيل غرفة متابعة مشتركة في القشلة، واستكمال اتفاق الطرق اليهودية واتفاق الدخول والخروج للبلدة القديمة.
وحتى 20 شهرا من الاتفاق، سيتم تنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب الاسرائيلي نحو الجدار الفاصل. القوة الدولية تنتشر كاملة بما فيها الكتيبة الاسرائيلية في معاليه افرايم. وبعد ثلاثين شهرا، يصل الجانبان الى الحدود الدائمة كما حددت في جنيف العام 2003 والتي تشمل تبادلا للأراضي. الممر الآمن بين غزة والضفة الغربية سيدشن. معابر الحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية ستفتح.