نجلة حمود
عكار :
يتوقف الباص السياحي المتوجه الى تركيا في رحلة سياحية تضم لبنانيين من مختلف المناطق، ويترجل عدد من الركاب لشراء بعض متطلبات رحلتهم، لكن مهلة الدقائق تمتد بسبب انصراف عدد منهم في حوارات مع صاحب الدكان أو مع بعض الزبائن الآخرين. يصاب بعضهم بالدهشة من خلال «اكتشافه» الجديد لمعالم سياحية في عكار لا يُعرف عنها شيء. يطول النقاش وتتكاثر الأسئلة بينما ينادي منسق الرحلة مراراً على الركاب بانتهاء الوقت المخصص لهذه الاستراحة يغادر الباص ويترك أبناء المنطقة.
يفاجأ عمر حجازي بجمال عكار، بمعالمها وبطبيعتها الساحرة، هو الذي لطالما مر بها «مرور الكرام» للعبور إلى المناطق السياحية في البلدان المجاورة من دون أن يلتفت إلى مضمونها ويكتشف آثارها. وحال عمر كحال غالبية اللبنانيين الذين رسموا صورة سلبية عن محافظة الفقراء في أذهانهم قبل زيارته والتعرف عليها. فموقعها في الطرف الشمالي وبعدها عن العاصمة، جعلاها من أكثر المناطق حرماناً وإهمالاً، إذ تفتقر لأبسط مقومات الدورة الحياتية اليومية، خاصة لجهة بناها التحتية المعدومة والشديدة القصور. فشبكة الطرقات التي تصل القرى بعضها ببعض هي في حال يرثى لها، كتلك التي تصلها بمركز القضاء حلبا أو بمدينة طرابلس، فضلاً عن وجود بعض القرى النائية التي لا طرقات تأخذ الحياة إليها.
مقومات هامة
لذا لا يمكن الحديث عن حركة سياحة أو موسم سياحي في عكار، بالرغم من أن التدقيق في مقومات المنطقة يبرز حجم الثروة السياحية البيئية، الطبيعية والتاريخية، التي تتمتع بها والتي تشكل حوافز هامة من شأنها جذب السياح والمصطافين لم تتأثر عكار «الخام» بشكل كبير بسلبيات الحضارة، وما تزال يحافظ على وجهها البيئي والطبيعي. وثروتها الحرجية هي الأهم في لبنان وفي الشرق العربي بمساحتها وبنوعية نباتاتها، وتمتاز بتنوع طبيعتها وتضاريسها في منطقة محدودة وقريبة من بعضها، مما يسمح للسائح بزيارة كل المعالم الأثرية وطبيعتها الرائعة في أقل وقت ممكن.
صحيح أن عكار من أكثر المناطق المحرومة في لبنان، لكن غناها بالمعالم الأثرية والشواهد التاريخية يدل على تجذر في الزمان وعراقة في المكان، تمتدان من العصر الحجري الى العصور الحديثة. فهي غنية بالقلاع والحصون والمعابد الدينية، وتتميز بسراياها وكنائسها وبيوتها التراثية، المنتشرة في مختلف قراها وبلداتها.
عرقا
تعتبر عرقا من أبرز المواقع الأثرية العكارية على الإطلاق، حيث تضم تلاً أثرياً عظيماً يمثل تراكم البنى السكنية التي شهدها الموقع منذ العصر الحجري الحديث. لعبت المدينة دوراً مهماً في تاريخ المنطقة، وقد أطلق عليها في العصر الروماني إسم «قيصرية لبنان».
أكروم
تحوي أطلالاً قديمة، من بنى ومدافن وبقايا كنائس. وتنتشر في جوارها أطلال تعود بمعظمها إلى عدد من المعابد الرومانية والآبار، وكنيسة «مار شمشون الجبار»، فضلاً عن «وادي السبع» الذي يضم أنصاباً من العصر البابلي الحديث، و«شير الصنم» الذي يحتوي على نصب لملوك وهلال ترمز الى الإلهة «عشتار» وإله القمر «سين»...
بيت جعلوك ومنجز
تقوم في هذا الموقع أطلال معبد روماني شيد في غضون القرن الميلادي الأول بحجارة الحرّة السوداء «البازلت»، ويحتوي هذا المعبد بعض الكتابات اليونانية التذكارية التي يعود تاريخها الى العام 262، وفي منجز كنيسة أثرية تعرف بإسم «سيدة الحصن» وتعود الى عصر الصليبيين.
عكار العتيقة
تحوي قلعة أثرية مشيّدة على شير صخري، يعود تاريخ بنائها إلى أواخر القرن العاشر للميلاد، وتنسب الى مؤسسها «محرز بن عكار» وهي تبعد نحو أربعين كيلومتراً عن مركز القضاء حلبا.
القبيات
تضمّ القبيات مشاغل حرير قديمة، وكنيسة على إسم القديس جاورجيوس مبنية على الطراز الإيطالي، بالإضافة إلى كنيسة مار شليطا، وفيها محراب شيد بحجارة قديمة تحمل كتابات يونانية.
القليعات
تقع بلدة القليعات على بعد نحو 25 كلم الى الشمال من طرابلس، في هذا الموقع أقيمت في القرن الثاني عشر قلعة صغيرة كانت جيوش الفرنجة تأوي اليها أثناء تنقلاتها عبر سهل عكار. ويحيط بالقلعة خنادق محفورة في الصخر، مبنية على شكل مربع دعمت زواياه بالأبراج المربعة.
القموعة
تعتبر القموعة الغابة الفريدة من نوعها في المشرق العربي نسبة لغناها بالمقومات البيئية والطبيعية، حيث تضم أكثر من أربعين نوعاً من الأشجار الحرجية وعدداً كبيراً من أشجار الأرز والشوح والعرعر النادرة، فضلاً عن أنواع لا تحصى من النباتات البرية الهامة والتي تضفي سحراً مميزاً على المنطقة. وتشكل القموعة عامل جذب للعديد من السياح، كما تتميز بآثارها التي تعود الى العهود الفنيقية والكلدانية والرومانية والبيزنطية والعربية، إضافة إلى الكهوف التي بقيت مأهولة حتى العهد الإسلامي.
الحركة السياحية معدومة
وبالرغم من تمايز كل هذه المواقع الأثرية والطبيعية وانتشار بعض المؤسسات السياحية الصغيرة في عكار، الا أن الحركة السياحية معدومة وتقتصر على السياحة الثقافية والاغترابية المتمثلة بزيارة الوافدين الذين لا تتعدى فترة زيارتهم بضعة أيام. وعلى السياحة البيئية المتمثلة بالسياح الأجانب من محبي الطبيعة والسير في المناطق النائية، خصوصاً القموعة وتلة عرقا اللتان تعجان بالعديد من السياح لكونهما من المعالم الأساسية والفريدة في كل لبنان.
وإذا كان تهميش عكار سياحياً قد زاد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية، فإن تنشيط السياحة فيها يعتبر إحدى المقاربات التنموية التي يمكن ان تساهم في تنمية المنطقة، كما يمكن أن تنعش الحركة الاقتصادية فيها.
أين دور وزارة السياحة والمجالس البلدية في تنمية وتفعيل هذا القطاع؟ وما دور المجتمع الأهلي في التعريف عن هذا القضاء؟ وهل لقضاء عكار موقع ضمن الشريط الدعائي المصور لوزارة السياحة؟
عطية: السياحة مرتبطة بالإنماء
يشير رئيس اتحاد بلديات الجومة المهندس سجيع عطية إلى أن منطقة عكار غنية بالمعالم الأثرية والسياحية نظراً لتمتعها بمقومات سياحية هامة جداً، معتبراً أن «سياسات الحرمان والتهميش المتعاقبة التي تمارسها الدولة اللبنانية على المنطقة ساهمت في تغييبه عن الخارطة الإنمائية وبالتالي السياحية، لأن السياحة مرتبطة بالإنماء». ويشدّد عطية على «أهمية ودور المؤسسات الأهلية والجمعيات الداعمة لهذا القطاع، التي تسعى دائماً لتنظيم الحفلات والمهرجانات والندوات ما من شأنه أن يساعد في التعريف عن المنطقة وإبراز وجهها السياحي، مؤكداً حاجة المنطقة لعملية استنهاض جماعية تشارك فيها كل القطاعات الرسمية والأهلية». كما يحذّر عطية من «سياسة «الاستلشاق» التي تتبعها الدولة إزاء هذا القطاع الذي بات مهدداً بالاندثار».
تؤكد حنة ميشال حداد، صاحبة فندق ومطعم جنة عرقة، أن لا وجود لحركة اصطياف أو سياحة في قضاء عكار حتى في أيام «الويك آند»، فمنذ ثلاث سنوات والوضع «راوح مكانك». وتتحدث حداد عن الخسائر التي منيت بها المؤسسات السياحية بسبب القصف الاسرائيلي الذي طال جسر عرقة في العام 2006 والحال نفسه في العام 2007 مع اندلاع أحداث مخيم نهر البارد، مشيرة إلى أن الدولة «وعدتنا ببعض التعويضات إلا أننا لم نحصل على شيء». وتلفت إلى أن الحجوزات محدودة وتقتصر على بعض السياح الفرنسيين والعاملين في تلة عرقة الأثرية، بالرغم من الأسعار التشجيعية التي يقدمها الفندق «منامة يوم مع وجبة إفطار بـ25 دولارا أميركيا، والخدمة من أحسن ما يكون، فما الذي يمنع الزوار والمصطافين من المجيء إلينا بالرغم من أن أسعارنا بمتناول الجميع والمنطقة ولا أجمل منها؟».
الآثار منسية ومهملة
يقول الدكتور إلياس جريج إنه «لا وجود لحركة سياحية في عكار، فالآثار منسية ومهملة، والمطاعم الموجودة بدائية ولا تشكل عامل جذب للسياح، مؤكداً أن الاعتماد الأكبر هو على السياحة البيئية، التي تشكل نحو ثلاثين في المئة من مجموع السياحة في منطقة الشمال، فهذه السياحة اليوم هي الركيزة الأولى لاقتصاد عكار، ومصدر أساسي من مصادر نمو المنطقة وتقدمها في المدى البعيد، و تمتد على رقعة جغرافية واسعة».
يعدد جريج على سبيل المثال المواقع الطبيعية والتراثية والأثرية والدينية التي يمكن للسائح أن يزورها إذا سلك اتجاه القبيات القموعة، مثل» شويتا وحلسبان وبتويج وحلبوسة والمورغان وعودين والشنبوق وكرم شباط الضهور وسيدة الغسالة ودير الآباء الكرمليين ومار جرجس شويتا ومار شليطا وغزراتا ومار سركيس وباخوس وسيدة كمّاع ومار الياس عودين ونبع الجعلوك والنواويس المنتشرة في كل احياء القبيات ووادي السبع في أكروم حيث الآثار البابلية في الصخر وقلعة الحصن في أكروم وبقايا الكنائس والأديرة فيها وقلعة جرمنايا في وادي خالد والسرايا في البيرة وقلعة عكار العتيقة وشير الصنم في كرم شباط حيث النقوش البابلية وسهلات القموعة وموقع النبي خالد في خراج فنيدق وغابة العزر الفريدة في فنيدق وغيرها.
ويشيد جريج بالعادات والتقاليد التي ما تزال حية في القضاء العكاري، كذلك بحسن الضيافة والاستقبال لدى أهلها وأبنائها، الأمر الذي يشكل قاعدة خصبة لازدهار السياحة البيئية وغيرها.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 1 | 2 | 3 | 4 |