«منيحـة» فـي بيـروت

قد لا يبدو جمهور أكثر تواطؤا مع فنانه أكثر من جمهور زياد الرحباني.
بالأحرى لم يصنع الفنان جمهورا يحبه أو يكرهه، بل صنع بالتأكيد «شعبا» يسير خلفه، لنقل «في السراء والضراء» (إذا جاز التعبير)، إذ أنه مستعد لأن يتقبل منه كل شيء، حتى ليسامحه على بعض الأخطاء الموسيقية التي قد ترتكبها الفرقة، أو على نشاز ما يمر عابرا بصوت مغنية، إذ تجد أنه لا يرغب في الاعتراف بها مثلما لا يرغب في أن تشكل حاجزا بينه وبين ما يقدمه زياد، لا على صعيد الموسيقى بل أيضا على صعيد ما يرتجله من نكات أو مواقف آنية على المسرح تثير الضحك والقهقهة.
هكذا بدت أولى حفلات زياد الرحباني على مسرح الأونيسكو التي بدأت مساء أمس الجمعة، وتستمر في اليومين المقبلين، إذ إن هذه الكهرباء السارية بين الاثنين، لا تزال تقوم بمفاعيلها، وبخاصة لدى الجيل الجديد الشاب. وكأن الرحباني عرف كيف يصل بين الأجيال المختلفة من دون كثير ادعاءات، فقط عبر الأغنية واللحن، كما عبر الكلمة ـ النكتة.
حفل زياد هو «نفسه» الذي كان قدمه منذ أيام في دمشق بعنوان «منيحة»، على الأقل وفق ما يوحي العنوان، إذ لا نستطيع أن نحدد الفرق بين الأمرين، في أي حال، هو حفل رحباني لا يخص إلا زياد نفسه، حيث استعاد فيه الكثير من قديمه وجديده، كما استعاد بعض تلك «الاسكتشات» التي عرفناها في برنامجه الإذاعي الشهير «العقل زينه» حتى وإن كان بعضها يبدو وكأن الزمن تخطاه، إذ كيف تريد أن تفهم اليوم صراع البورجوازية الصغيرة مع البورجوازية الكبيرة في بلد لا يفعل شيئا إلا الدخول في صراع مذاهب؟.
في أي حال وإن بدت هذه الأفكار تقف في حيز من ذاكرة خلفية، يأتي الحفل ليقول لنا، موسيقيا، كم أن الرحباني لا يتوقف عند هذه الذاكرة، وكم أنه لا يزال يحب التجريب، إذ ثمة الكثير من الأغاني تختلف توزيعيا (وإن كانت طفيفة) عما اعتدنا أن نسمعه في الأشرطة والأسطوانات.
في أي حال، حفل لزياد الرحباني، لا بد أن يثير اللغط دائما، فإن لم يفعل، لا يكون زياد عند ذاك زيادا...