المعاهد الشرعية تردّ تهمة الإرهاب: ابحثوا في السجون

قبل أشهر من إجراء الانتخابات النيابية زار وفد من قسم الشؤون الدينية في وزارة الخارجية السويسرية لبنان، والتقى من ضمن من التقاهم وجوهاً في التيار السلفي، وقد حثّهم على التقارب مع الآخرين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وردم هوة الخلاف بينها، فرد عليه أحد الحضور: «نحن فعلنا أكثر منذ ذلك، لقد وقّعنا وثيقة مع حزب الله الشيعي، ولكن بعض السياسيّين حاربونا، وهم من يقوم بالتحريض المذهبي والطائفي لأهداف سياسية لا نحن».
من روى هذه الحادثة، وفضّل عدم ذكر اسمه، انطلق منها للتعليق على ما أثاره وزير العدل إبراهيم نجار في جلسة أخيرة لمجلس الأمن المركزي، من أن معاهد دينية إسلامية أسهمت وتسهم في تخريج متطرفين وإرهابيين، وأن هذا الموضوع بسبب حساسيته المذهبية الكبيرة، تبنّى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أن يبحثه مع مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.
يتابع من يقصّ هذه الحادثة قوله ليؤكد أن «متخرّجي المعاهد الدينية ملتزمون في خطابهم الجانب الدعوي وحسب، فهم لا يكفّرون الناس، ولا علاقة لهم بتهمة الإرهاب والتطرف التي تُلصق بهم، وإن صودف وجود بعضهم ضمن من اعتُقلوا بتهمة كهذه».
لا يتوقف الرّاوي عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى حد توجيه أصابع الاتهام إلى مشايخ وخطباء تابعين لدار الفتوى، فهؤلاء «محميون سياسياً، ولا يتوانون في خطبهم عن تسعير حدّة الخطاب المذهبي والطائفي، ولا أحد يحاسبهم، على عكس غالبية المشايخ السلفيين ومتخرّجي المعاهد، الذين يحسبون ألف حساب لكل كلمة قبل أن يقولوها».
الشهال: يأتي طلاب بضعة أيام ثم يغادرون وهؤلاء ليسوا متخرّجين

التطرق إلى موضوع المعاهد الدينية، السنية منها تحديداً، وما تحتويه مناهجها من أفكار يعدّ مثار جدل في لبنان، ليس الأول من نوعه، بل إنه يتصدر اهتمام المسؤولين عند كل خضة أمنية يكون للإسلاميين علاقة بها من قريب أو بعيد.
لكن المثير للانتباه ما أوضحه مدير معهد الدعوة والإرشاد الدكتور حسن الشهال من أن هذه المعاهد «لا تخضع لسلطة وزارة التربية والتعليم العالي، وشهادات طلابها ليست رسمية»، مشيراً إلى أن علاقتها تقتصر على دار الفتوى، التي بدورها «لا تعترف سوى بطلاب معهد أزهر لبنان التابع لها». ويلفت إلى أن هذه المعاهد «افتُتحت إما عن طريق حجج شرعية صادرة عن المحاكم الشرعية التابعة لرئاسة الحكومة، وإما أنها تابعة لجمعيات دينية مرخّصة من وزارة الداخلية».
هذه المعاهد المنتشرة في أغلب المناطق ذات الأكثرية السنية، يلتحق بها طلاب بالمئات لدراسة العلوم الشرعية حتى المرحلة الثانوية، قبل أن يلتحقوا بإحدى الجامعات أو المعاهد المرخّصة داخل لبنان (جامعة الجنان، معهد الإمام الأوزاعي، معهد طرابلس للدراسات الإسلامية) أو خارجه (السعودية)، ليواجهوا مشكلة أخرى هي أن شهاداتهم الجامعية غير قانونية أيضاً، فيتجهوا إلى العمل في تدريس مادة الدّين في مدارس خاصة، أو تستوعبهم دار الفتوى في بعض مساجدها بعد توصيات أو تدخلات سياسية، أو يلتحقوا بإحدى القوى أو التيارات السياسية.
هذا الوضع دفع الشهال إلى الرد على التهمة الموجهة إلى المعاهد الشرعية بإنتاج الإرهاب، وتخريج أشخاص يحملون فكراً متطرفاً، بأن «من يفعل ذلك يبحث عن الإرهاب في المكان الخطأ، فنحن وقّعنا وثيقة تفاهم مع حزب الله لدرء فتنة سنية ـــــ شيعية تحديداً، فكيف نتهم بالتطرف والإرهاب؟».
وشدد الشهال على أن «اتهام متخرّجي المعاهد بأنهم متطرفون غير دقيقة، فقد يأتي طلاب ولا يبقون فيها أكثر من شهرين ثم يغادرونها، وهؤلاء ليسوا متخرّجين، لا بل قد يكون التحاقهم بأحد المعاهد من باب التخفي بعد أن يثبت تورطهم في أمر ما، وهذا أمر لا تتحمل المعاهد مسؤوليته».
وإذ أكد الشهال أن هذه «الاتهامات غير صحيحة، وأن من في دار الفتوى في بيروت ومراكز الإفتاء في المناطق يعرفون الأمر على حقيقته»، أكد أن «المناهج الدراسية في المعاهد الشرعية متشابهة، وهي تدعو إلى الحوار والموعظة الحسنة، وهي مناهج إسلامية أصيلة بعيدة عن التطرف».
هذا الموقف يؤيده المدير العام لوقف التراث الإسلامي الشيخ صفوان الزعبي، الذي يرى أن «توجيه الاتهام إلى المعاهد الشرعية بأنها تخرّج متطرفين، يعني أن البعض يريد معالجة الأسباب غير المباشرة لنشوء التطرف، ويتجنّب التطرق إلى الأسباب الفعلية لوجوده».
وأكد الزعبي أن «السجون تخرّج إرهابيين ومجرمين أكثر من أي مكان آخر، وأن أحد الذين خرجوا من سجن رومية نُقل عنه قوله إنه كان قبل دخوله إليه تقتصر معرفته على إسلاميين ضمن نطاق محلي ضيق في طرابلس، ولكنه تعرّف في رومية على إسلاميين لهم ارتباطات عالمية، ومن هنا يمكن اعتبار سجن رومية أحد أوكار الإرهاب، وأحد مراكز تنظيم القاعدة في لبنان الذي تجب معالجته».
ويستغرب الزعبي قول البعض إن «الفكر الإرهابي يدرّس في المعاهد الشرعية، فهؤلاء يبدو أنهم لا يعرفون شيئاً، ففكر كهذا ينشأ ضمن خلايا سرية وعبر الإنترنت، وهو يأتي نتيجة ظلم يلحق بموقوفين يُرمون في السجون، ثم يخرجون منها حاقدين على المجتمع أكثر مما كانوا قبل دخولهم إليه، وعلاج الأمر يكون داخل وزارتي العدل والداخلية وفي السجون».
وسأل الزعبي: «إذا افترضنا أن المشكلة موجودة في المعاهد فما هو الحل؟ إن إغلاقها يسبّب مشكلة إضافية بدل حلها، ونحن نقول إنه لا مانع من قيام دار الفتوى بدورها في هذا المجال، وأن يراقبونا وينظّمونا، وأن يتعلم الطلاب أصول الدين وعلومه تحت أنظارهم، شرط أن لا تُلزمنا بمذهب فقهي معين، ولكن الجواب على عدم قيامها بذلك ليس عندنا».