الوحيد منذ ما قبل القرن التاسع عشر والشاهد على نمو الجميزة خان المدوّر يتعرّض للهدم ومحافظة بيروت وبلديتها لا تتحركان

في منطقة المدوّر خان قديم يعود الى ما قبل القرن التاسع عشر يتعرّض منذ أيام للهدم، وهو الوحيد الباقي من تلك الفترة شاهداً على حال بيروت اقتصادياً واجتماعياً وانمائياً.
وفي التفاصيل ان "شركة كونسيليوم للاستثمار والتطوير العقاري ش. م. ل" المملوكة من احد المستثمرين الاجانب، اشترت العقار رقم 146 – منطقة المدوّر العقارية القائم بين محطة شارل حلو وشارع باستور والتابع لمنطقة الجميزة المصنفة ذات طابع تراثي، من انشاء مبنى جديد، وتبيّن ان المبنى القديم يضم بين اقسامه بناء حجرياً قديماً عبارة عن "خان"، لا يزال يحتفظ بعناصره المعمارية التراثية ويتوسطه فناء مربّع محاط بقبوات وأروقة.
وعند بدء أعمال الهدم، احتاطت المديرية العامة للآثار وطلبت الى بلدية بيروت في كتاب وجهته في 2/7/2009 وقف الأعمال، لكن أحداً لم يتحرك.
ثم عادت ووجهت كتاباً ثانياً الى محافظ بيروت في 10/7/2009 راجية الايعاز بوقف أعمال الهدم الجارية وإعلام الجهة المالكة بضرورة مراجعة مديرية الآثار والتنسيق معها في ما يتعلّق بالمحافظة على الخان وامكان دمجه في اي مشروع عمراني مقترح على العقار المذكور. لكن احداً لم يتحرك ايضاً واستمرت اعمال الهدم حتى شملت القسم الاكبر من الخان الذي يخشى ان ينهار كلياً.

أهميته
وتكمن اهمية هذا الخان انه الوحيد الباقي من الفترة التي تعود الى ما قبل القرن التاسع عشر. وقد اكتشف اثناء حفريات قرب درج مار نقولا – منطقة الجميزة في عام 2008 كان يقوم بها الاثري هشام صايغ بالتعاون مع هيئة إنماء الجميزة، وهو عبارة عن مبنى مربّع من الحجر الرملي في وسطه فناء غير مسقوف، وكان في الماضي عند بنائه يقع في محاذاة الشاطئ الذي كان يقوم عليه ميناء المدوّر القريب من مرفأ بيروت، وصورته القديمة واردة في كتاب "بيروت ذاكرتنا" لفؤاد دباس وتعود الى اكثر من مئة عام.
وتظهر الأعمال الاثرية والتاريخية ان النمو المديني والاجتماعي لمنطقة الجميزة طرأ نتيجة تطوير مرفأ بيروت بفعل تنظيف احواض الميناء من الرمول التي جرت بين عامي 1830 و1840 وأصبح بامكان السفن التجارية البخارية الرسو فيه وانزال البضائع الضخمة، وهذا ما خلق حركة تجارية كبيرة وادى الى نزول الفلاحين والعمال واهالي القرى والريف الى المدينة فنشأت للمرة الاولى ضواحي بيروت خارج اسوار المدينة فتكوّنت الجميزة التي سكنها المسيحيون، وتوسّعت لتتشكل الاشرفية في ما بعد، والبسطة وسكنها الشيعة. وكانت الخانات محطات الترحال التي يقيم فيها العابرون والمسافرون والتجار وكانت تقام بمحاذاة الموانئ مثل خان المدوّر وخان الافرنج في صيدا.
احد خبراء الآثار قال لـ"النهار" انه لا يوجد نصّ يحدد تاريخ انشاء هذا الخان لكن طريقة بنائه وطرازه وخصائصه العمرانية المميزة للخانات ووجوده بمحاذاة الميناء وعند المدخل الشرقي لمدينة بيروت تاريخياً قريباً من شارع غورو وتحت طريق دوكومانوس الرومانية، وقريباً من خان الصيفي الذي اعيد ترميمه في اطار مشروع "صيفي فيلاج"، كلها دلائل تشير الى انه يعود الى ما قبل القرن التاسع عشر.
والسؤال: لماذا لم تحرّك محافظة بيروت وبلديتها ساكناً رغم كتابين وجهتهما مديرية الآثار؟ ولماذا لم يتم انذار المالكين واخطارهما بالنتائج المترتبة على اعمال الهدم هذه؟. وما الذي يمنع المحافظة على هذا المبنى التراثي المميّز والفريد في اطار مشروع المبنى الجديد على غرار ما يجري في المشاريع العمرانية الحديثة التي تقام في وسط العاصمة حيث تحفظ المعالم الاثرية وتعطي قيمة مضافة للمبنى من جهة وتحفظ تاريخ بيروت وذاكرتها من جهة ثانية؟.

مي عبود أبي عقل