ذكريات «المنجل» و«الأغمار» تستحضر في زمن المكننة قمح عكار تضربه الطبيعة والدولة لا تحميه

نجلة حمود
عكار :
لقد بات «المنجل» و«المصابعين» (قطع من الخشب تغطي الإصبع لحمايته)، من ذكريات الماضي الذي يتمنى أبو مهدي صالح أن يعود. الحديث فيه شيء من التحسر عن أيام خلت عندما كان فيها الشباب يتنافسون على من يثبت قدرته وجدارته فيغلب الملك الذي يكون على يمين الحواصيد، وسط أنغام المصابعين التي تزيدهم حماسةً، خاصةً بوجود الصبايا اللواتي يقمن بجمع أغمار القمح ويتنافسن على أكبر «حــملة» لنقـلها الى البيدر. كانت في تلك الفــترة بالنسبة أبو مهدي «العونة» مفهوماً سائداً في غالبية القرى العكارية حيث يتداعى الشباب لإنهاء موسم الحصاد مجتمعين، بالرغم من امتداده لثلاثة أشهر، أي من أوائل حزيران حتى أواخر آب.
«هناك استحالة في العودة الى هذه الأجواء»، يؤكد المزارع حسين الشعار، «فالمنجل والمصابعين، باتوا من التراث الزراعي القديم... تكـفّلت المكـننة الحديثة والحصادات الإيطالية التي دخلت على زراعة القمــح بدثر أيام المنجل ومعها الأيام الحــلوة التــي وبرغم تعبها كانت جميلة... الخير كان كتير».
لكن، وبرغم دخول الحصادة الآلية التي تقوم بالحصاد وربط «شمائل القمح» خلال فترة زمنية لا تتجاوز العشرين دقيقة للدونم الواحد، بدل استخدام المنجل الذي يستغرق يوماً كاملاً، إلا أنها لم تحل مشاكل المزارعين، فهي تقصّ السنابل على مستوى واحد بحيث يضيع الكثير من القش، مما يؤثر سلباً على كمية العلف، كما أنها لا تدخل الحيازات الصغيرة فتترك وراءها الكثير من السنابل التي تعيد الروح إلى المنجل.
تمتد المساحات المـزروعة بالقمح في عكار على أكثر من مئتي ألف دونم، لكن كمية إنتاجها لم تتجاوز أكثر من 90 ألف طن.
قد لا تروي حقول القمح والسنابل الذهبية المتلألئة تحت أشعة الشمس في سهل عكار، الممتد ساحلاً من العبدة الى النهر الكبير، معاناة المزارعين التي تبرز في كل عام. فالتغيّرات المناخية وقلة المتساقطات في «التشرينين» الأول والثاني، وغزارتها في الربيع أثرتا سلباً على إنتاجية القمح ونوعيته هذا الموسم. لفحت الطبيعة السنابل التي فرغت من حباتها، الأمر الذي أدى الى انخفاض إنتاجية الأراضي المزروعة من خمسة أطنان الى ثلاثة لكل ثمانية دونمات، بحسب المزارع إسماعيل خضر: «المزارعون نُكبوا هذه السنة مرتين: الأولى بالعوامل المناخية المعاكسة لزراعة القمح التي أثرت بشكل سلبي على نوعية الإنتاج مما دفع بهم لحصاد مواسمهم مبكرين بذلك عشرين يوماً عن الموعد الطبيعي والمعتاد. والثانية تمثلت بكثرة العرض بعد أن تحوّل عدد كبير من المزارعين في سهل عكار هذا العام نحو زراعة القمح طمعاً بالحصول على أسعار السنة الماضية التي شهدت ارتفاعاً في سعر الكيلو الذي وصل الى سبعمئة ليرة والشعير إلى خمسمئة ليرة. أما السنة وبسبب كثرة العرض ورداءة المحصول فلم يبلغ سعر كيلو القمح سوى اربعمئة ليرة والشعير إلى250 ليرة، مما أجبر المزارعين على بيع محاصيلهم الى تجار العلف الذين يعمدون لتهريب القمح إلى الدول العربية المجاورة، خصوصاً سوريا والعراق.
كان «الشغل الشاغل» للمزارعين سابقاً هو تصريف الانتاج قبل أن يتجمع ويتكدس في محاولة لتعويض كلفة الزراعة والحصاد، أما انخفاض الأسعار فقد فتح باب التهريب.
يقدر أبو بسام الشعار خسارته الموسمية بالملايين، لأن أكثر من ثلث إنتاجه هو شعير «والشعير ما إلو سعر»، لأن سنابل قمحه فارغة من محتواها. هو عاتب كغيره من المزارعين على الدولة «المشكلة أن الدولة تعمد للاستيراد من الخارج بملايين الدولارات وتمنع عنا خيراتها».
يتوقع المزارع رشيد العس من بلدة فنيدق حدوث مشاكل مع مــكتب الـحبوب في طرابلس، المكلف بالكشف عن القمح قبل تحـويله إلى المــطاحن، لأن لجنة المراقبة لا تسـتلم أي كـميات دون المواصفات المطلوبة «وقمح السنة مليء بأمراض العويّرة والدحيريجة».