ثمة في الذاكرتين اللبنانية والفلسطينية التباسات مخيفة، وتشوهات كثيفة. وثمة في بعض الخطابين اللبناني كما الفلسطيني عبارات مشحونة بهذه الالتباسات والتشوهات. الغريب في ما ورد في مقالة السيد صلاح صلاح في "قضايا النهار" تحت عنوان "نداء فلسطيني، هل يجد من يسمعه في العهد الجديد؟ نريد حقوقنا المدنية في لبنان"(•) أنه ما زال يستند الى مقاربات فيها الكثير من التسطيح كما التجني على كل ما قامت به حكومتا الرئيس فؤاد السنيورة اللتان تعاقبتا على السلطة الاجرائية منذ العام 2005، لا سيما لجهة تشكيل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، وهي لجنة رسمية تضم ممثلين عن الوزارات المعنية بحكم مسؤولياتها عن المساعدة في الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين، والتي تقوم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بالاهتمام بهم على الصعد كافة، مع التأكيد على أن لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في تواصل وثيق مع الوكالة كما مع منظمة التحرير الفلسطينية في سبيل تجويد الاداء في الخدمات من ناحية، وفي تواصل وثيق مع الدول المانحة بما يؤمّن الموارد الضرورية لهذا التجويد من ناحية أخرى.
في كل الاحوال، تجد لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني ذاتها مضطرة أن تضع بعض النقاط على الحروف مصوّبة الكثير من المغالطات في جوهر الحيثيات التي أراد فيها السيد صلاح صلاح فتح باب النقاش، والتي بدت في لغتها من زمن ماضٍ مبنيّ على الهجومية بغية استثارة الدفاع، او العكس، ناهيك بأنها أغفلت وقائع ترميم العلاقات اللبنانية - الفلسطينية بالكامل منذ العام 2005.
أ - شكلت حكومة "الاستقلال الثاني/ الاصلاح والنهوض" برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء الاستاذ فؤاد السنيورة في تشرين الاول 2005، وبموجب مرسوم رقم 1/89 لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، وأناطت بها مسؤولية معالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين على الصعد كافة، بالتعاون مع "الاونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية مع إبقاء الحوار مفتوحاً مع الفصائل الفلسطينية كافة. في هذا السياق يبدو مستغرباً طلب السيد صلاح صلاح ايجاد وسيط رسمي يُعنى بهذه القضايا.
ب - ليس صحيحاً أبداً أن الدولة اللبنانية، لم تزل تتعاطى مع اللاجئين الفلسطينيين بمقاربة أمنية، والأجدى مراجعة البيانين الوزاريين لحكومة "الاصلاح والنهوض"، ومن ثم "الارادة الوطنية الجامعة" كما قرار هيئة الحوار الوطني منذ العام 2006، وبالاولى مراجعة خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ناهيك بالتعاون اللبناني - الفلسطيني المشترك إبّان معركة مخيم البارد ضد الارهابيين من مجموعة "فتح الاسلام"، فمرحلة الاعداد لاعادة إعمار المخيم فانطلاق عجلة إعادة الاعمار. كل ذلك يؤكد أن الحكومتين اللبنانيتين اللتين تولّتا شؤون السلطة الاجرائية في السنوات الاربع الاخيرة شكلتا سابقة في الاطلالة الانسانية كما السياسية والديبلوماسية على قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ج - في ما يتعلق بحق العمل، يجب بالاولى عدم تجاهل القرار رقم 1/79 الصادر عن وزير العمل طراد حمادة في 2 حزيران 2005، والمذكرة رقم 1/67 في 7 حزيران 2005، والتي تستثني اللاجئين الفلسطينيين من أحكام المادة التي تحصر بعض المهن باللبنانيين شرط أن يكونوا من المولودين على الاراضي اللبنانية، ومسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية. أما بالنسبة للمهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة، فإجازة العمل تخضع لشروط النقابات وليست شأنا تشريعياً يتعلق بالدولة اللبنانية، مع التأكيد على أن حق العمل قيد مراجعة من قبل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، وتحديداً ممثلي وزارة العمل والعدل فيها.
د - أما بالنسبة لحق التملك، والذي استثنى الفلسطينيين، لعدم قيام دولتهم المعترف بها انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل، ولو أن اللاجئ الفلسطيني يمكنه أن يستصدر وثيقة سفر وبطاقة هوية فلسطينية، وقد برز هذا الاستثناء في التعديل الصادر في القانون رقم 296 تاريخ 4/5/2001، وهو الذي اعتبره السيد صلاح صلاح ضغطاً على ظروف الحياة للاجئين الفلسطينيين، فيُقتضى فيه المساءلة ايضاً حول لمَ لم ينجِز من اشترى لأغراض السكن من الفلسطينيين، وبشكل محدد، معاملاته القانونية لدى الدوائر الرسمية قبل صدور التعديل، واكتفى بعقود بيع ممسوحة، ما شكل انتقاصا من حقه في سجلات الصحف العقارية؟
هـ - لا ريب في ان مقاربة الهواجس اللبنانية من طروحات "التوطين" تأسيسية وجوهرية شرط أن تنأى عن الشعبوية والتسييس الضيق، وكان من المفيد ان يطّلع السيد صلاح على ان اللبنانيين دولة وشعبا بات يعنيهم العمل على "دعم حق العودة" قاعدة عدالة انسانية حقوقية دولية في التزام لبناني وعربي شامل، وبات القاصي والداني يعلم أن الاحتكام لاستعمال "التوطين فزاعة" يفقد جوهر قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة معناها الحقيقي.
و - تبقى مسألة مخيم نهر البارد، والتي تطرّق اليها السيد صلاح صلاح بعيدا من التوصيف البنّاء والواقعي لكل ما قامت به الحكومة اللبنانية بالتعاون مع "الاونروا" وجامعة الدول العربية وبرامج الأمم المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية وهيئات المجتمع الدولي، فوفت بما أطلقته من شعار ابان المعركة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة ضد الارهابيين من ان "الخروج مؤقت، والرجوع مؤكد، واعادة الاعمار محتمة". وقد تجاهل السيد صلاح كلياً السبب الموجب الذي فرض على لبنان خوض هذه المعركة، وقد دفع اثمانا باهظة من دماء ضباط الجيش اللبناني ورتبائه وجنوده لحماية الاستقرار حريصا على ارواح المدنيين. ولا تتسع العجالة هنا للاضاءة على عملية اعادة بناء المخيم التي انطلقت، مع حماية الآثار التي اكتشفت في بعض اجزاء من القسم القديم من المخيم، كما اعادة الترميم في القسم الجديد منه، فالبحث في آلية تكريس سيادة القانون على قاعدة الاحتكام الى منطق الحقوق والواجبات. اما بالنسبة للاجراءات الامانية والسيادية التي يتخذها الجيش اللبناني في محيط مخيم نهر البارد، فتنطلق وبسبب من الوضع الاستثنائي، من قناعة باقامة توازن بين احترام كرامة اللاجئ الفلسطيني كما المواطن اللبناني وحمايتهما من ناحية، ومن تأمين مقتضيات السيادة والامان من ناحية اخرى، وان لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني والجيش اللبناني، على تواصل دائم مع سفارة دولة فلسطين والفصائل الفلسطينية واهالي مخيم نهر البارد لمعالجة اي اشكال وتبديد المخاوف، والتأكيد على الاخوة اللبنانية – الفلسطينية، على ان تكون هذه المرحلة انتقالية، وبشكل تدريجي بما يعيد الى الناس حياتهم الطبيعية بالكامل.
في الختام، وحرصاً على ترسيخ دعائم العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، وتجنبا للخوض في مسائل كثيرة أخرى عالقة، تتمنى لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني النظر الى ما تم ترميمه وانجازه في هذه الدعائم منذ العام 2005 انطلاقا من روحية السيادة للدولة والكرامة للاجئين الفلسطينيين الذين تتحمل اسرائيل وحدها مسؤولية استمرار مأساتهم على مرأى من المجتمع الدولي، كما العمل الديبلوماسي اللبناني – الفلسطيني والعربي لدعم حق العودة. وتتمنى اللجنة الابتعاد عن الخطاب الديماغوجي المستنفر للغرائز، والذي دفع اللبنانيون والفلسطينيون معا جراءه اثمانا باهظة على حساب وجودهم وقرارهم الحر، وتؤكد على ان عملها سيستمر بهدوء وشفافية بالتنسيق مع "الاونروا" والاخوة الفلسطينيين انطلاقاً من المصلحة اللبنانية العليا وحث المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته لتأمين حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم بحسب قرارات الشرعية الدولية ومندرجات المبادرة العربية للسلام ومرجعية مؤتمر مدريد.
(•) صلاح صلاح - "قضايا النهار" - 17/7/2009
"لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني"