خالد يمتلك الصالون، والنساء ينتظرن تجميلهن.. وللحديث دائماً تتمات!

أ: «صباح الخير. لا أملك الكثير من الوقت. الساعة الثامنة صباحاً، وعملي يبدأ عند التاسعة. أريد أن أصبغ شعري باللون الأحمر. هل يمكن إتمام العملية خلال أربعين دقيقة؟».
ب: «لكن، هناك من حجز موعداً قبلك يا سيدتي. ثم، كيف أصبغ شعرك خلال أربعين دقيقة؟ أنا أعمل بدقة ولا أسمح لأي سيدة بأن تغادر صالوني بمظهر خنتريش».
خنتريش؟!
مقتطف من حوار دام طويلاً في صباح الصالون، أبطاله سيدات وآنسات يدخلن المكان بهدف تجميل مظهرهن، ولا يخلو الأمر من التغريد خارج السرب.
يملك خالد بنات (24 عاماً) هذا الصالون. ولخالد مئة محطة يومية مع أحاديث تشبه الحوار المذكور أعلاه، تدور في أفق الجمال، والموضة، والنميمة.
تبدأ القصة اليومية عند الثامنة صباحاً. يفتح الصالون أبوابه، وكثيراً ما تكون هناك صبية تنتظر فتح الأبواب، على المدخل. يدعوها خالد لتناول القهوة قبل المباشرة في العمل: «لا، لا، دخيلك بلا قهوتك هلق! كتير مستعجلة». يستجيب خالد لطلبها ويخسر كوب قهوته. وبدلاً من القهوة، سوف يقضي خالد عشرين دقيقة، على الريق، مع صوت «السشوار».
تدخل صبية أخرى برفقة صديقتها، لتنضم إلى فتاة ثالثة تنتظر دورها، وتنضم إليهن سيدة رابعة وصلت للتو. تتصل رقم 5 لتحجز موعداً. وتريد رقم 6 تنظيف حواجبها. بلحظة، امتلأ المكان.
في هذه الأثناء، يحافظ خالد على موجته الصباحية، ويجامل الجميع، مهما كثرن.
يشعر بالجوع. لكن لا مجال لتناول الطعام. يصبر، ويصمد، بعدما اعتاد البرنامج اليومي نفسه.
يقول إنه لا يملّ من الجوّ، بل يعتبره مسلياً. هو ليس مزيناً للشعر فحسب في عيون زبائنه، بل المتنفس الذي يلجأن إليه للإفصاح عن أسرارهن والتحدث عن مشاكلهن الزوجية، العائلية، وأحياناً الاجتماعية.
تمسك زبونة بمجلة، وتتصفحها. لا تتذمر من انتظار دورها. يمازحها خالد: «يبدو أنك منهمكة بالقراءة»، فتجيب: « يجب أن أجمع المعلومات، فيومياً، لديّ محطة صباحية مع زميلاتي اللواتي ينتظرن مني آخر أخبار الفنانين». يضحك خالد الذي يصغي في الآن ذاته لحديث آخر يدور هناك: سيدة تشكو حيرتها في تحضير طبق اليوم في المنزل.
يختار زوجها طبقاً معيّناً، بينما يطلب أولادها صنفاً آخر. تسمع أخرى الحديث، فتقفز إليه كونها تعاني من المشكلة ذاتها، وتعلن أنها خرجت بالحل التالي: «أستعين بواحدة من طباخات الفقرات التلفزيونية الصباحية». يقاطعهن خالد ليعرف ما بال سلوى: «شو بك؟ ليه مهمومة؟». تجيب سلوى: «خليها على الله».
تتخلى صاحبات الحديث عن محور «الطبيخ» ويحوّلن تركيزهن باتجاه سلوى.
تكمن مشكلة الأخيرة في أن ابنها الصغير يريد الزواج وهو لن يبلغ سن الرشد بعد. ينطلق الحديث عن الزواج، إذاً. وبين «جارتي ابنها اتجوز صغير وطلّق»، و«دخيلك جوزيه بترتاحي!»، يمتلئ رأس خالد بأخبار النساء. وللتذكير، حتى الساعة، لم يتناول خالد قهوته ولا وجبته الصباحية.
ينفد صبره من الجوع. يقرر طلب وجبة سريعة. يسأل السيدات عن جوعهن ورغباتهن بمشاركته الترويقة، ثم يندم سريعاً على الساعة التي طرح فيها هذا السؤال: «أكيد لأ، عاملي ريجيم، وانا ما فيني آكل وجبات سريعة.. عم بنصح كتير الفترة الأخيرة!».
تبدأ فقرة «الريجيم». وصفات، نصائح، واستشارات. يشغّل خالد أغنية ليركز عليها، بدلاً من الإنصات للنقاش الفيزيولوجي. تعترض إحداهن معتبرة أن الأغنية «تذكرها بحبيبها السابق». يغيّر خالد الأغنية، فلا تعجب الأغنية الجديدة سيدة أخرى: «شو هالنكد! ولو، ناقصنا؟!».
يوكل مهمة اختيار الموسيقى لإحدى الزبائن فتنال الأغنية التي تختارها موافقة الجمهور.
فجأة، تصرخ زبونة من الطابق الأعلى. لماذا؟ لأنها إزالة اللحم الزائد عن أظافرها أشعرتها بالألم. يجيب خالد على صياحها بصوت عال: «مش حرزانة! ولو يا سوزان، فكّرت بك شي!». تضحك مؤكدة أن الصرخة جاءت كرد فعل بسبب المشاكل الأخرى التي تعاني منها في حياتها. ولا تمانع سوزان أن تشرح مشاكلها، من الطابق الأعلى، وبصوت عال: «كي يسمع الجميع!».
لا تقف الأحاديث عند حدود المشاكل المنزلية والشخصية. فحتى «البول» يمتلك حصة ضمن أحاديثهن في صالون التجميل. تضحك المجموعة بصوت عال. يصرّ خالد على معرفة سر الضحك. المسألة ببساطة تعود إلى اكتشافهن أن الفتيات المجتمعات هنا لم يتركن محلاً إلا وارتدن حمامه: «وين ما نروح، منظل مزروكين!».
تشاركهن سيدة وقورة الحديث، لتقدم وصفة طبية تخفض نسبة الرغبة بـ«التبوّل».
لن يكون مفيداً وصف شكل خالد في أثناء هذا الحديث.
لكن، ضمن المشهد نفسه، هناك من تحب الانفراد بخالد، للتحدث عن مشاكلها معه وحده. تضرب له زبونة موعداً في صباح اليوم التالي، فهناك مستجدات في حياتها العاطفية لا يجوز أن يبقى غائباً عنها. يستجيب خالد للدعوة. يقول إنه يصغي للجميع ويسمع مشاكلهن الكثيرة، لكنه لم يفكر يوماً بتقديم نصيحة لإحداهن: «عشان ما تقلب عليّ!». فهو يؤمن بأن مهمته تكمن في تجميل النساء ومسايرتهن، و«ليس التدخل بشؤونهن الخاصة».
وللتذكير، دخل خالد عالم التزيين منذ ثماني سنوات. عمل في أمــاكن عدة، حتى امتلك صالونه الخاص. لكن، هناك حلم بقي معــلقاً يتمنى تحقيقه يوماً، وهــو «أن أصبح مشهوراً علـى مســتوى عالمي».
كل سيدة تزور خالد تتمنى له تحقق هذه الأمنية التي لم تفلت بدورها من نميمتهن، فتخصصت فقــرة كاملة خاصة بها، مدخلها: «تعوا نتخيل انو خالد صار مشهور كتير».