حسن شقراني
«رغم النتائج الإيجابيّة المحقّقة»، تبقى ثغرة أداء لبنان في إطار برنامج صندوق النقد الدولي لما بعد الأزمات، «EPCA»، مشكلة الاقتراض الزائد. ففي نهاية آذار الماضي، كانت الحكومة قد تخطّت عتبة الاستدانة من مصرف لبنان بنسبة 10 في المئة، وفقاً للتقرير الأخير لبعثة البرنامج التي شدّدت على ضرورة أن يحكم «الحذر» السياسة النقديّة خلال المدى القصير.
■ انتقادات واقتراحات
يرى التقرير أنّ السياسة النقديّة يجب أن تبقى «حذرة خلال المدى القصير، لكن بعد تأليف الحكومة المقبلة، قد يكون هناك إمكان لخفض سعر الفائدة». وفي ظلّ النموّ القوي في الودائع ومستوى الدولرة وتراكم الاحتياطات الدوليّة، يدعم أعضاء اللجنة القرار الأخير بخفض معدّل الفائدة على شهادات الإيداع لخمس سنوات بواقع 0.25 نقطة مئويّة. ولكن «على مصرف لبنان أن يعكس إجراءات شراء الدين من الحكومة الذي تمّ في الفصل الأوّل من العام الجاري عبر ملاقاة معايير البرنامج الموضوع لاستدانة الحكومة منه».
انتقادات قاسية يوجّهها التقرير إلى الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المصرف، وإلى «تحريفه» لسعر الفائدة. ويقول إنّ «السياسة الحالية القاضية بتعقيم فائض السيولة أساساً عبر إصدار شهادات إيداع بمعدّل (عائد) أكبر بكثير من ذلك الموجود على سندات الخزينة لثلاث سنوات ينقل جزءاً من كلفة اقتراض الحكومة إلى مصرف لبنان، ويخفي كلفة الفائدة الحقيقيّة المتأصّلة في وضع الحكومة المالي».
ومع بدء المصارف التجاريّة بتفضيل بيع شهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان إلى زبائنها، يجب أن يأخذ الأخير بعين الاعتبار إمكان تغيير سياسته النقديّة، «وبهدف امتصاص السيولة، يجب أن يتحوّل المصرف بتزايد نحو بيع أجزاء من محفظته الضخمة من سندات الخزينة، وخفض استخدام شهادات الإيداع الطويلة المدى، المتلازمة مع تركيز محدّدات المصارف للانكشاف على الحكومة». ومن شأن تلك الإجراءات أن «تخفض الأكلاف شبه الماليّة لمصرف لبنان، وتزيل تحريف الفائدة على العملة المحليّة بين سندات الخزينة وشهادات الإيداع، وتؤمن أنّ كلفة الفائدة الحقيقيّة تولد مع الموازنة».
من جهة أخرى، وفي إطار عرضه الإجراءات التي يمكن اعتمادها خلال العام الجاري والمرحلة المقبلة، يتحدّث التقرير عن أن بقاء عبء الدين العام يستدعي «تدعيماً مالياً جوهرياً»، ولذلك بهدف البناء على ما تحقّق خلال السنوات الماضية من خفض لمعدّل الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، وإلى حين تأليف حكومة جديدة «يجب أن تهدف جميع الجهود لتجنّب تراخ مالي إضافي».
وتلفت بعثة «EPCA» إلى أنّ الضغوط الماليّة التي مثّلتها الانتخابات النيابيّة الأخيرة أدّت إلى ازدياد صعوبة مهمّة الحكومة في جعل التوازن الأوّلي صفراً في عام 2009. وهنا ينتقد الصندوق تحويلات الحكومة إلى «الهيئة العليا للإغاثة»، ويقول إنّها «تضغط على الأفق المالي». وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك التحويلات مخصّصة لتعويضات عدوان تمّوز عام 2006. كذلك تجدر المحافظة على أيّة زيادة ماليّة تحقّق لكي تُقوّى الماليّة العامّة.
وبالنسبة إلى الحكومة المقبلة، فإنّ إحدى مهماتها الأساسيّة هي «المكافحة لتطبيق الأجندة الماليّة التي يتضمّنها اتفاق باريس ـــــ 3». ومن بين الأولويّات خفض التحويلات إلى مؤسّسة كهرباء لبنان ورفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة. ويبقى أنّه رغم ضعف تأثّر لبنان بالأزمة العالميّة «تؤثّر عليه موجة الركود العالمي واستمرار السوق الماليّة العالميّة بتكوين مخاطر نزوليّة على تمويل الحكومة».
■ الأفق والأداء
عموماً هناك مسألتان أساسيّتان تدرجهما بعثة الصندوق للمحاججة في موضوع ثبات لبنان وقدرته على مواجهة تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة. الأولى هي أنّ «تدفّقات الودائع إلى المصارف التجاريّة، التي تعدّ المصدر الأوّل لتمويل العجز الحكومي الواسع، بقيت قويّة». والثانية هي أنّ النظام المصرفي الواسع لم يتعرّض مباشرة للأزمة الماليّة العالميّة بسبب محدوديّة الانكشاف على المؤسّسات الماليّة الفاشلة أو أسواق التمويل الواسعة. فالمصارف بقيت تتمتّع بسيولة لافتة.
هذا الواقع يدعمه، وفقاً للتقرير الذي انتهى إعداده في 10 حزيران الماضي ونشر أمس، سلسلة مؤشّرات دوريّة تميّزت بإيجابيّة لافتة خلال الفترة الأخيرة، بينها مؤشّرا قطاعي البناء والسياحة. كذلك لم تُسجّل «عودة ضخمة للمغتربين اللبنانيّين من الخليج، كما لا تفترض المعلومات المتاحة انخفاضاً حاداً في التحويلات». وطبقاً لهذه المعطيات، تبقى التوقّعات قائمةً بمعدّل نموّ عند 4 في المئة في العام الجاري.
ويشير التقرير إلى أنّه «رغم الأزمة العالميّة، تبقى التطوّرات المتعلّقة بميزان المدفوعات مناسبة»، ومن المتوقّع أن يتقلّص عجز الحساب الجاري. وفي ما يتعلّق بمساعدات المانحين التي تقلّصت في الربع الأوّل من العام الجاري، يقول التقرير إنّها قد تنتعش في المرحلة المقبلة «مع قيام حكومة جديدة في النصف الثاني من العام».
ويبقى أداء الحكومة في إطار البرنامج «مؤاتياً على نطاق واسع»، غير أنّها لم تستطع مواكبة متطلّبات الصندوق بحسب معيارين: الأوّل هو أنّ معدّل استدانتها الصافية من مصرف لبنان «كان أعلى من السقف الذي يحدّده البرنامج». فقد بلغ حجم القروض 550 مليار ليرة، أي أعلى بنسبة 10 في المئة من العتبة المحدّدة. وهذا الأمر حدث بسبب حصول المصرف على سندات «يوروبوند» لخفض اعتماد الروافع على المستثمرين الأجانب، وشرائه لسندات خزينة في السوق الثانويّة لإدارة تقلّبات السوق، في ظلّ «وجود تركيز حاد على حدود انكشاف بعض المصارف التجاريّة على الحكومة».
المعيار الثاني هو أنّه لم يتحقّق تقدّم على مستوى إجراءات الرقابة الخاصّة بالبرنامج، وذلك في ما يتعلّق بالقانون العام للضرائب والإجراءات المتعلّقة بخصخصة قطاع الهاتف الخلوي.