درجت عادة في العالم ولبنان، ان يتبرع بعض الملوثين والصناعيين واصحاب شركات ببعض الاموال من ارباحهم الكبرى التي توفرها النظم الاقتصادية التقليدية، لجوائز أو مشاريع بيئية صغيرة لتبييض صفحاتهم وصيتهم وللتكفير عن ارتكاباتهم الكبرى بحق الطبيعة والاجيال الآتية، بالقليل من «التبرعات». وقد درجت عادة ايضا ان يستعين هؤلاء بحكام، رؤساء او وزراء او جمعيات اهلية وبيئية لتسويق هذا «التبييض»، في وقت يكون هؤلاء من اكثر المنتهكين للبيئة والمستنفدين للموارد، والمهددين لاسس الحياة.
واذ يمكن تفهّم ان يلجأ الوزراء وبعض المسؤولين الى القطاع الخاص للتسويق لنفسهم ولتبييض صفحة الملوثين في آن، على اعتبار ان غالبية هؤلاء الوزراء لا شأن لهم بالبيئة ويريدون ان يظهروا للرأي العام انهم مهتمون بأي شكل ووسيلة، لا يفهم كيف يتورط الكثير من البيئيين (اذا لم نقل الاكثرية) في هذه المهمة ، تحت عنوان او ستار «الشراكة مع القطاع الخاص»!
وإذ يؤخذ على السلطات في هذه الحال انها تتجاوز أو تتنازل عن صلاحياتها وتقصر في مهامها لناحية تطبيق القوانين، ولا سيما لناحية تغريم الملوثين وتطبيق «مبدأ الملوث يدفع»، عبر مراسيم تنظيمية قصرت في اخراجها الى الوجود (اقر قانون البيئة منذ العام 2002 ولم تظهر مراسيمه)، يؤخذ على القطاع الاهلي انه يخون دوره المراقب للسلطات وللقطاع الخاص معا، وقد دخل في صفقات وتسويات، تحت عنوان «الشراكة»، وفقد قدرته على المراقبة والمحاسبة وتقديم البدائل. وقد افسد مال المؤسسات الدولية المانحة وتبرعات القطاع الخاص «المناضلين» البيئيين وحولهم الى مجرد «موظفين» في مشاريع.
وتحت عنوان «الشراكة» ايضا، حصلت خلطات في لبنان، عجيبة غريبة، لا تحصل الا في الحكايات الخرافية، حين تم تأسيس جمعيات لجمع التبرعات، تضم مسؤولين وصناعيين وممثلين عن جمعيات، التي اصبحت اقرب الى شركات خاصة ايضا تبغي التمويل والعمل والتوظيف على حساب تبرعات الملوثين وبرعاية السلطات (رؤساء ووزراء)... في وقت تشكو الوزارات المعنية من ضعف الادارة والامكانيات والتمويل!
اليس هذا ما حصل في ملف حرائق الغابات في لبنان حيث تم تأسيس جمعية لجمع التبرعات، وتم التنازل عن صلاحيات وزارة لمصلحة جمعية اخرى عبر عقد موقع معها لجمع التبرعات ايضا؟ وقد اختلطت الامور والمهمات وحصل تضارب في الصلاحيات وضاعت المسؤوليات وانعدمت امكانيات المحاسبة!
اليس هذا ما يحصل في ملف الكسارات الذي يعمل منذ سنوات بالرشى والتبرعات للقوى السياسية والسلطات المحلية والدينية، بالاضافة الى الأهلية...!؟
ليست المشكلة بالطبع ان يحصل تعاون بين القطاعات الثلاثة (الرسمي والاهلي والخاص)، فهذا التعاون اكثر من مطلوب... ولكن عندما يقوم كل بدوره اولا، او على شرط ان لا يتخلى احد عن دوره. فقبول الدولة تبرعات دولية او من القطاع الخاص، يجب ان لا يكون على حساب تخليها عن دورها في وضع الاستراتيجيات والتشريع والتنظيم والمراقبة ووضع الضوابط الملزمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى قبول جمعية بدعم، لا يفترض ان يكون على حساب دورها المراقب للقطاعين الرسمي والخاص معا.
اما دور القطاع الخاص وخدمته الحقيقية للبيئة فتكون عبر الالتزام بالقوانين المرعية والمواصفات والشروط البيئية اولا.
فالصناعي لا يكون بيئيا اذا تبرع لمشاريع او جوائز بيئية، او ساهم في انشاء محمية... بل في مدى التزامه بمعايير محددة مثل: كمية المادة الخام المستخدمة وحجم الطاقة المستهلكة وكيفية التوفير فيها وفي المياه، كمية الانبعاثات، كيفية معالجة المخلفات المتولدة، عدد حوادث العمل في المصنع، عدد الحوادث البيئية، النسب المؤية للتدوير في عمليات الانتاج ونسب المادة المدورة المستخدمة في التعبئة والتغليف، كيفية نقل البضائع والمنتوج ونوع الوسائل والوقود المستعمل وصيانة الآليات وضبط انبعاثاتها، حجم الاستثمار في التحسين والتخضير الدائم في التصنيع، عدد الشكاوى من السكان المحيطين ومن المنظمات الاهلية والاعلام... كما يجب ان نعرف في النهاية مصير المنتج بعد انتاجه، فهل هو من النوع المستهلك كثيرا للطاقة، وما هو مصيره عند نهاية استخدامه وحجم الضرر الذي يتركه في الطبيعة عندما يتحول الى نفايات...؟
هذه بعض المعايير الاساسية للصناعة المسماة «خضراء» اليوم، والتي يفترض ان تكون مترجمة بقوانين ومراسيم تنظيمية ومواصفات الزامية ومعايير محددة وآليات مراقبة من السلطات والتي تفرض غرامات محددة على من لا يلتزم بها.
ويكون المصنع اقرب اكثر وأكثر الى البيئة اذا التزم بـ«مبدأ الاحتراس»، فلا يلوث ولا يدفع ولا يتبرع.
فما معنى ان يتبرع معمل او مصنع ملوث على سبيل المثال بكلفة دراسة لآثار تلويثه، في وقت يكون عبر السنين قد تسبب بقتل عشرات الانواع التي لا تعوض وتتسبب بأمراض مميتة للانسان وباقي الكائنات؟ وما انتفاع المحميات الطبيعية من تبرعات شركات ومصانع كبرى تتسبب انبعاثاتها ومخلفاتها ونفايات انتاجها بأمراض مزمنة للسكان المحيطين (وعلى رأسها الامراض السرطانية) وبانقراض انواع لا تحصى ولا تقدر بثمن في الطبيعة؟
| اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
|---|---|---|---|---|---|---|
| 28 | 29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 |
| 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
| 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
| 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
| 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 |
