كتبت روزيت فاضل:
"العلاقة بين الأديان والسياسة" هو العنوان الذي يطرح اليوم على باب البحث في محاور مؤتمر "الشباب الليبرالي العالمي" الذي ينظمه قطاع الشباب في "تيار المستقبل" بالتعاون مع مؤسسة "فريديريش ناومان" في فندق البريستول.
الجلسات التمهيدية لإفتتاح المؤتمر بدأت أمس حيث اجتمع 101 مشارك من الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية وبعض الدول العربية جاؤوا لبنان ليناقشوا مواضيع عدة اليوم وغداً منها ما يثار عن الليبيرالية والأديان والعلاقة "العضوية" بين الدولة والدين والتعمق في دراسة حدود التعاون العلماني في قيام أي دولة، وصولاً الى تناول موضوع عن صراع الحضارات وما وراء هذه التسمية من مد وجزر يسود في المجتمعات المنغلقة أوفي البيئات المتطورة، أو حتى كما لدى بعض المواطنين الذين يعيشون بنمط معتدل في سلوكياتهم الإجتماعية والعقائدية.
الإفتتاح اليوم يكون بكلمات يلقيها المدير الإقليمي لمؤسسة فريديرش ناومن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور روزالد ميناردوس ورئيسة الإتحاد الدولي للشباب الليبيرالي في كولومبيا باولا سيلفا، نائب رئيس الإتحاد في ألمانيا فريديريك فيري ومنسق قطاع الشباب في " تيار المستقبل" أحمد الحريري.
أبواق عكس التيار !
ما هي الإنطباعات الأولية لليوم التمهيدي للمؤتمر؟ بدا واضحاً أن الجهات المنظمة بذلت جهداً كبيراً لجمع شباب من محيطات بعيدة في لبنان. التمثيل اللبناني كان من لون سياسي واحد، أي من شباب تيار المستقبل وحزب الوطنيين الأحرار، وخلا طبعاً من تمثيل شباب من المعارضة لأسباب معروفة. الكلام في اليوم التمهيدي كان لمجموعة من الإعلاميين، منهم للزميل وسام سعادة الذي عرض للمجموعة المشاركة واقع لبنان وخصوصيته، وما تشهده المنطقة عموماً وإنعكاس هذه الحال على وطننا محاولاً عرض مقارنة لواقع بلدان الشرق الأوسط من جهة وأوروبا من جهة أخرى.
اللافت في الحديث أن بعض الشباب حاولوا خلال طرح الأسئلة عرض خوفهم من فوبيا سلاح "حزب الله" الذي يشكل لبعض منهم واقعاً مخيفاً لدولة قائمة في ذاتها ضمن الدولة اللبنانية. ثم تناول عضو البرلمان السويدي فريديريك فديريلي والزميلة بولا يعقوبيان موضوع الجلسة التي تناولت محوراً عن التناغم في الحضارات، عارضين نقاط التلاقي والإختلاف في "ولادة" هذا التناغم في المجتمعات.
على هامش المؤتمر، التقت "النهار" بعض منظميه وشباباً من أقطاب العالم لمعرفة كيف تفصل سلطاتهم ما بين الدين والدولة، أو لمقاربة تأقلم الدول المدنية مع عادات الوافدين اليها وتقاليدهم الدينية والإجتماعية والعقائدية.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في قطاع الشباب في "تيار المستقبل" أيمن السيد أكد أن أهمية المؤتمر تكمن في إنتساب هذا القطاع في التيار الى الإتحاد الدولي للشباب الليبرالي منذ 2007. وعن مفهومه للأحزاب الليبرالية قال: "هي أحزاب ذات توجه ليبرالي وهي تؤمن بالتحرر، الوسطية، حقوق الإنسان، قيام الدولة المدنية، التحرر من القيود الطائفية، تبنّي مبدأ السوق الحرة في السياسة الإقتصدية للبلد". عما إذا كان تيار المستقبل يطبق هذا المفهوم قال: "يملك تيار المستقبل منذ إطلاقه نظرة نحو الليبرالية. ترجم هذا النمط الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي إتبع نهجاً ليبرالياً في عمله، ناقلاً لبنان من مرحلة الدمار الى الإعمار، أي نحو الدولة المدنية".
لكن ما هو دور الإتحاد؟ عرّفت رئيسته بولا سيلفا الإتحاد بأنه " تأسس في كمبردج في العام 1947 وهو مظلة عالمية لمجموعات طالبية وشبابية تؤمن بالليبرالية". وأكدت أن الإتحاد "يحضن الى اليوم 3 ملايين مواطن من 5 محيطات في عالمنا" لافتة الى أنه "يضم الى اليوم 90 جمعية من 50 بلداً، ويتوسع في شكل لافت في بلدان آسيا وإقليم القوقاز وأميركا اللاتينية، علماً أنه مرتبط في لبنان من خلال قطاع الشباب في تيار المستقبل".
أما المؤتمر فهو، كما قالت، "في غاية الأهمية لأنه يطرح موضوعاً شائكاً لواقع السياسة والدين. أتمنى أن يظهر المؤتمر خصوصية كل بلد في هذا الموضوع".
بورصة متفاوتة من التجارب
كيف يمكن أن نفصل ما بين الدين والدولة؟ بعض الدول العربية قد تجيب بدقة عن السؤال لأن بعض الدساتير ينبثق من الشريعة الإسلامية، بينما يفضل بعض الشباب من الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا الحديث عن "مصاهرة" مجتمعاتهم للمجموعات الإسلامية ومدى تأقلمهم معهم عموماً.
في العودة الى مجتمعاتنا العربية يرى السيد في ما خص لبنان أن الخطوة تبدأ بتعزيز هذا المبدأ في كتاب التربية المدنية ودعوة السياسيين لتخفيف حدة التوتر في خطابهم، وتبدأ من هنا مرحلة "خجولة" نحو الدولة المدنية.
بدوره، يرى الأمين العام لإتحاد الشباب الليبرالي العربي عزيز الدرمومي من المغرب أن "فصل الدين عن الدولة في بلده صعب، ولكن يمكن التخفيف من حدة هذا "التزاوج" ما بين الدين والدولة"، مشيراً الى "أن الملكية هي رمز السيادة، والملك يعتبر أمير المؤمنين، وهذا يربط مباشرة السلطة الملكية بالدين". لكنه لفت الى أن "المغرب يشهد بعض المحاولات لفصل الدين عن الدولة من قبل السلطة الحاكمة". أضاف: "بعض الأحزاب السياسية، كحزب العدالة والتنمية وهو حزب إسلامي، يستخدم الدين في السياسة، ولا سيما في الإنتخابات وفي خطاباته غير السياسية في محاولة للفوز بأصوات الناخبين". من جهته، يرى محمد سعد، وهو يعمل مرشداً سياحياً وينتمي الى شباب الغد المعارض للنظام القائم في مصر، أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريعات، ولكن هذا لا ينعكس كلياً على الجانب العقائدي". ويشير الى أنه "من حزب معارض"، مؤكداً أن "رؤيتي للأمور تختلف عن الحزب الحاكم الذي يستخدم الدين لتمرير مشاريع إستعبادية".
ختاماً، ترى عليا أبو دية، وهي من فلسطين ومجازة في علم الإجتماع من جامعة بيت لحم وتحضر دراساتها العليا في إختصاصها. أن فصل الدين عن الدولة لم يطرح في وطننا لأن الوضع القائم داخل فلسطين والإنقسامات بين حماس وفتح والإحتلال الإسرائيلي تشكل معوقات حقيقية مناهضة للفكر والحرية.
وشددت على أن الدولة "لم تقر أي قانون لتحديد صيغة العلاقة بين الأحزاب الليبرالية". لكن كيف يتعاطى الشباب الوافدون من بلدان أجنبية مع موجة المجموعات الدينية التي تأتيهم من الشرق؟
المستشار في قضايا السياسة بايرون لا ماستر الآتي من الولايات المتحدة الى لبنان يرى أن أميركا شهدت منذ تأسيسها قدوم مجموعات عدة من أديان مختلفة تمكنوا من ممارسة حقوقهم كلها في الولايات المتحدة. وعما إذا كان الوافدون من الشرق الأوسط يشكلون ثقلاً على الولايات المتحدة قال: "لا أبداً. نشكو من جماعات مسيحية إنجيلية متطرفة تحاول مثلاً طرح إمكان تعليم بعض مواد العلوم للتلامذة كما ينص عليها الإنجيل، وهذا ما لا يجوز طبعاً". عن الإسلاموفوبيا التي عمت الولايات المتحدة بعد حوادث 11 أيلول قال: "البعض عرف هذه الفوبيا ولكن الأميركيين أدركوا أن ما حصل لا يعمم على فئات محددة بل هو حالة خاصة من ناس تصرفوا كذلك ليس إلا".
أما المديرة الدولية لجمعية JULIS المتخصصة في قضايا الليبرالية عند الشباب جوليا هيسي من ألمانيا فرأت أن الجمعية التي تنتمي اليها تعمل تحت لواء المجموعة الأوروبية وتقارب كل المواضيع من هذه النافذة. وشددت على أن التعاطي مع الآخر المختلف يكون بإحترام خصوصيته والبحث عن تعدد الثقافات وتنوعها وسواها من المبادىء. ورأت أن نمط عيش المسلمين في ألمانيا ولا سيما في العاصمة برلين حيث تسكن يرتكز على الإحترام الكلي لخصوصيتهم وعما إذا كان مقتل مروى الشربيني، المرأة المحجبة في ألمانيا، ينذر بسوء إستيعاب التقاليد الإسلامية في ألمانيا قالت: "أبداً، هذا حادث فردي قام به شخص معتوه، وهو لا يعكس أبداً رأينا في الجالية المسلمة التي تتمتع بكل حق لممارسة كل الشعائر والمعتقدات التي يسنّها دينهم".
أما جمال زيا من هولندا فيرى أن بلاده تواجه بعض الصعوبات مع المسلمين المتشددين الذين لا يجدون فرصاً للعمل في المؤسسات الرسمية، لأن دخول الرجال الملتزمين والنساء المرتديات البرقع أو الحجاب للعمل في الدوائر الرسمية غير محبذ". كما أن بعض الهولنديين يعبرون عن إنزعاجهم من مبالغة بعض الجماعات الإسلامية في رفع صوت مآذن الصلاة في بعض الأحياء، وهذا ما قد يخلق بعض التوتر". ختاماً، يحدد ميكال كريستيانس، وهو طالب في إدارة الأعمال والسياسة الدوليتين في الدانمارك، أن الحكومة تحاول التحاور مع بعض المجموعات الإسلامية المتطرفة لخلق روابط مشتركة في نمط الحياة وتسهيلها على الجميع".