كتبت سابين عويس:
أما وقد اصبحت الحكومة قاب قوسين من التأليف بعدما بلغت عملية غربلة الاسماء مخاضها الاخير، فلا شك في ان توزيع الحقائب له مدلولات مهمة حول اجندة العمل التي ستلتزمها الحكومة العتيدة وخصوصا في ما يتعلق بالملفات الاساسية التي تشكل موضع جدل واختلاف بين مختلف الافرقاء السياسيين.
ويأتي في مقدم هذه الملفات كل من الكهرباء والاتصالات والضمان الاجتماعي التي تتمثل بحقائب مصنفة خدماتية ومن الدرجة الاولى، على اساس انها خدمات سيادية وهي تتطلب التزامات واضحة في البيان الوزاري حيال التوافق على تحديد الرؤية او الاستراتيجية الواجب اعتمادها من اجل معالجة المشكلات القائمة فيها.
ولا تقل وزارة المال اهمية عن الحقائب المشار اليها اذ تشكل العصب المالي للخزينة والقناة الرئيسية لضخ المال في شرايين الادارات والمشاريع الانفاقية.
ومن شأن اللون السياسي للوزراء الذين ستقع عليهم نتيجة المحاصصة السياسية في التوزيع الحكومي لتولي هذه الحقائب، ان يحدد مسار السياسات التي ستنتهج والتوجهات التي ستعتمد، علما ان من شأن المواقف الاخيرة للنائب وليد جنبلاط ان تعيد قلب الموازين السياسية وتغير في مسار التأليف.
ولكن ما هو في حكم المؤكد حتى الآن، ان وزارة المال ستظل في عهدة رئيس الحكومة ووزارة العمل والطاقة في يد "حزب الله"، على ان يستعيد فريق الغالبية وزارة الاتصالات رغم الاصرار الذي يبديه رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" على توزير صهره جبران باسيل في الحقيبة عينها التي تولاها.
10 اسئلة
وفيما غربلة الاسماء والحقائب ماضية بوتيرة متسارعة، تتناول من بين بورصة المحظيين المحتملين بالمنصب الوزاري شخصيات من عالم الاعمال، ثمة مجموعة من الاسئلة يتم التداول فيها ضمن الاوساط الاقتصادية تعكس هواجس هذه الاوساط ومخاوفها حيال آفاق المرحلة المقبلة، وخصوصا ان اي اشارات واضحة للتوجهات الاقتصادية والمالية المستقبلية لم تتبلور وان تكن عودة الغالبية النيابية الى الحكم وتكليف سعد الحريري رئاسة الحكومة، قد شكلا مؤشر استقرار واستمرارية للسياسات والتوجهات القائمة، وتزامنا مع غياب اي تصور او رؤية واضحة لقوى المعارضة لأهدافها او برنامجها الاقتصادي.
1 - اول هذه الاسئلة يتعلق بمسألة الدين العام وسبل مقاربة المعالجات ولا سيما ما يتعلق بالتمويل وبنية الفوائد، خصوصا بعدما فقد مؤتمر باريس3 بريقه وباتت آليات تطبيق مراحله الباقية اكثر صعوبة مع تعذر انجاز الاصلاحات المشروطة بالاموال، فضلا عن تعذر عقد اي مؤتمر دولي مماثل.
2 - هل ستنجح الحكومة في التزام الاهداف المالية الواردة في برنامجها مع صندوق النقد الدولي والتي حظيت على اساسها بدعم الصندوق وتفهمه للتأخير الحاصل في تطبيق التزامات برنامج باريس 3 وكيف سيتحقق ذلك اذا لم يصر الى التزام اهداف واضحة تبدأ على الا قل من اقرار مشروع قانون موازنة 2009.
3 - هل ستلتزم الحكومة مبدأ اعتماد الخصخصة وتحرير بعض القطاعات او ستخضع للابتزاز السياسي للنائب وليد جنبلاط الذي هدد بعدم المشاركة في اي حكومة او بيان وزاري يتضمن كلمة خصخصة؟
4 - انطلاقا من الاشكالية القائمة حول موضوع الخصخصة، هل ستكون الحكومة امام مقاربة جديدة في البحث عن موارد اضافية للخزينة من دون اللجوء الى الضرائب او الى بيع الاصول، وذلك من خلال البحث عن امكانات جديدة تعزز موجودات الدولة، ومنها على سبيل المثال خلق الاصول اذا تعذر توفير ظروف ومناخات ملائمة لأي عملية خصخصة؟
5 - هل ستلتزم الحكومة اقفال ملف الكهرباء على نحو نهائي وحاسم بعدما بات المهزلة المأسوية المثقلة على كاهل الخزينة والمواطن في آن واحد، وبعدما بلغ عدد التقارير والخطط والدراسات الموضوعة من اجل اصلاح هذا القطاع أكثر من 60 من دون ان تجد اي منها الطريق الى التنفيذ، ام سيبقى هذا القطاع ضحية الحسابات الشخصية والمحاصصة؟
6 - هل ستولي الحكومة العتيدة مسألة المياه الاهتمام الكافي كأحد الموارد الطبيعية الاساسية الكفيلة بتوفير مداخيل مهمة للخزينة في السنوات القليلة المقبلة اذا احسن ترشيد استعمالها. فثروة لبنان المعروفة بالذهب الابيض تهدر بما يقارب المليار و200 مليون متر مكعب منها في البحر على حد ما كشف قبل ايام قليلة المدير العام للطاقة فادي قمير من دون اي تحسب في الوقت الذي تعاني فيه البلاد شحا في موسم الصيف في ظل غياب تنفيذ السدود وبحيرات التجميع وتأهيل شبكات التكرير والتوزيع علما ان الاولوية الملحة اليوم هي لوقف تلوث المياه باعتبار ان المياه المؤهلة للشرب تقتصر على مرتفعات الجبال وما عداها بات ملوثا، فيما تنشط تجارة المياه بحيث بلغ سعر الصهريج الواحد في مناطق الاصطياف مئة دولار!
7 – هذا ما يدفعنا الى السؤال عن الوضع البيئي الذي يهدد بيئة لبنان ومناخه وطبيعته الخضراء والمعتدلة، كما يؤثر على قطاعه السياحي. فهل يجوز ان تفوح رائحة الابقار في وسط المدينة بفعل البواخر الراسية في مرفأ بيروت، او يجوز ظهور النفايات ومنها الحيوانات النافقة على شاطئ يسعى الى ان ينافس الريفييرا الفرنسية؟
8 - كيف ستتعاطى الحكومة مع الملف الاجتماعي وكيف ستوفر شبكة الامان الاجتماعي في ظل المشكلات العميقة التي يواجهها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهل سيحمل بيانها الوزاري اي رؤية او استراتيجية في هذا الشأن تعزز التقديمات الاجتماعية للناس؟
9 - هل ستأخذ الحكومة في الاعتبار، التجربة الناجحة التي خاضها لبنان في المجال السياحي بعدما فاق عدد الوافدين حتى نهاية تموز الماضي المليون سائح وينتظر ان يتضاعف الرقم ليبلغ المليونين حتى نهاية السنة في ظل مواسم شهر رمضان والميلاد وراس السنة فضلا عن دورة الالعاب الفرنكوفونية؟ وتجدر الاشارة الى ان السياحة تشكل حاليا 9،5 في المئة من الناتج (علما انها كانت تشكل نحو 22 في المئة منه قبل الحرب الاهلية) وهي تستوعب نحو 450 الف فرصة عمل، ويقدر ان تدر عائدات بما يقارب الـ7,8 مليارات دولار هذه السنة.
10 - هل ستضع الحكومة اي تصور او استراتيجية لتحسين البنية التحتية وتطويرها واعادة تأهيلها بما يتناسب مع حاجات التنامي السكاني من جهة وازدياد عدد السياح والوافدين الى لبنان سنويا؟
ليست تلك الاسئلة الا نموذجا من الاسئلة - الهواجس التي يطرحها الوسط الاقتصادي من جهة ويتهامس بها الناس من جهة اخرى، في ظل استشراء فاضح للفوضى والتلاعب والتزوير في شؤون المعيشة والارزاق من دون اي حسيب او رقيب. فالوقت والجهد مخصصان اليوم للحكومة اما شؤون الناس فحديث آخر!